على مدى التاريخ الإنسان تحول عدد من مشاهد القتل والتعذيب من مجرد جريمة قتل فى حق البشرية إلى وحدة من رموز التضحية والفداء والشهادة، وتحولت من ذكرى أليمة عند أصحابها، إلى ذكرى واحتفال جلل عند التابعين على مدار التاريخ.
ويحفل التاريخ الدينى، الوارد فى الكتاب المقدس والقرآن الكريم، بالعديد من مشاهد القتل، التى تحولت إلى أيقونة بشرية واحتفال دينى كبير، ورغم أنها فى الأصل جريمة قتل فى حق شخصية دينية كبيرة أو نبى من أنبياء الله، إلا أن رمزية ودلالاتها جعلت منها مناسبة دينية كبيرة فى نظر أصحابها، ومن هذه الوقائع:
قابيل وهابيل
قابيل وهابيل
قابيل وهابيل هما شخصيتان ذكرتا في العهد القديم، وهما أول ابنين لآدم وحواء. كان قابيل عاملاً بالأرض أما هابيل فكان راعياً للغنم، وفي يوم قررا أن يعبدا الله فقدما قرابين. يقول الكتاب: وحدث من بعد أيام أن قابيل قدم من ثمار الأرض قرباناً للرب، وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانِها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قابيل وقربانه لم ينظر، فاغتاظ قابيل جداً، وسقط وجهه. ولم ينظر الرب إلى قربان قابيل لأنه كان مخالفاً لما كان يتطلبه وهو الذبيحة الدموية أما هابيل فقد فعل.
وتعد هذه الواقعة المذكورة فى الكتاب المقدس، جاء ذكرها فى القرآن الكريم، هى اول جريمة قتل عرفتها الإنسان، وتحولت على مدار التاريخ الدينى والبشرى إلى رمزا للخير والشر، فكان قابيل رمز للشر والظلم، وتم الرمز إلى هابيل على أنه رمز الخير والإصلاح.
الذبيح ابن إبراهيم
الذبيح
حسب المنظور الإسلامي، ورد في القرآن الكريم أصل الأضحية وهي أن إبراهيم رأى في منامه رؤيا بأنه يذبح ابنه إسماعيل فاستشاره ووافق إسماعيل لأن رؤيا الأنبياء حسب المنظور الإسلامي حق ويجب تطبيقها، وعندما ألقى إبراهيم ابنه على وجهه لذبحه قال ابن كثير في تفسيره عن السدى: "أمرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئًا. ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس، والله أعلم"، ونودي إبراهيم من الله ﴿أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ واُستبدل الذبح بكبش وصفه العلماء المسلمون بأنه "كبش أبيض، أعين، أقرن، رآه مربوطًا بسمرة في ثبير".
فيما يؤمن أصحاب الأديان الإبراهيمية الأخرى "اليهودية – المسيحية" أن الذبيح هو إسحاق.
وبغض النظر عن عن الاختلاف ما بين الأديان حول هوية الذبيح، إلا أن الواقعة الدينية تحولت إلى رمزية كبيرة إلى التضحية والفداء، بل وتحولت إلى مناسبة دينية كبرى مثل عيد الغفران عند اليهود، وعيد الأضحى المبارك عند المسلمين.
يوحنا المعمدان
مقتل يوحنا المعمدان
تزوج الملك هيرودس من هيروديا زوجة أخيه. وكان هيرودس يخاف يوحنا إذ قال له بأنه لا يجوز زواجه بزوجة أخيه فهذا لا يحل له. لذلك، سجن هيرودس يوحنا وكانت هيروديا حاقدة على يوحنا من ذلك وفي عيد ميلاد الملك هيرودس دعا العظماء والقواد لعشاء فاخر ودخلت ابنة هيروديا (سالومي) لترقص فسرّ هيرودس الملك والمتكئين معه وقال الملك لها أطلبي ما تشائين وسوف يتحقق حتى ولو نصف مملكتي وأقسم على هذا أمام الجمع فخرجت الصبية لعند أمها وتشاورت معها وطلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق فحزن الملك جداً لأجل القسم. وأرسل الملك سيافاً وأمره أن يأتي برأس يوحنا. وأتي برأسه للصبية، والصبية بدورها أعطته لأمها ودفن الرأس في دمشق.
وبذلك مات بعد ما يقرب السنتين على بداية تعليمه العلني وقبل سنة من موت من بشّر به، وعندما سمع تلاميذه بموته جاؤوا وأخذوا جثته ووضعوها في قبر. إن تاريخ موت يوحنا المعمدان في 29 آب والمعتمد في التقويم الكنسي ليس تاريخاً موثوقاً لأنه ليس مرتكزاً بقوة على مصادر موثوقة. ويقول العهد القديم بأنّ مكان دفنه هو السامرة وتوجد رفاته في كنيسة القديس سلفستر في روما، في حين يوجد رأسه في ضريح بقلب مسجد بني أمية في دمشق.
وتحولت واقعة قتل "المعمدان" إلى رمزية وأيقونة دينية للشهادة والحق، لأنه فضّل الشهادة للحق مع موت الجسد عن التغاضي عن الحق.
صلب يسوع المسيح
صلب المسيح
صلب يسوع هو من أهم الحوادث في حياته وفي تاريخ المسيحية، ويُذكر أنه حدث بين عامي 30 و33 ميلادي. الصلب أتى بعد أن تم إلقاء القبض على يسوع الذي يؤمن المسيحيون أنه ابن الله والمسيح المخلص، ومن ثم تمت محاكمته، وحُكم عليه من بيلاطس البنطي أن يعاقب بالجلد وأخيرًا أمر بصلبه، وورد ذكر صلب يسوع في الأناجيل الأربعة، المشار إليها في العهد الجديد، ويشهد على ذلك أيضًا مصادر قديمة أخرى، وبالتالي يعتبر صلب يسوع كحدث تاريخي أكدته مصادر غير مسيحية، رغم عدم وجود توافق في الآراء بشأن تفاصيل دقيقة لما حدث بالضبط.
وفقا للأديان الإبراهيمية الأخرى "اليهودية – الإسلام" فواقعة صلب المسيح لم تتم، فالأولى مقتنعة أن المسيح المخلص لم يظهر حتى الآن وينتظرون نزوله الأرض، أما المسلمين يعتقدون أن المسيح لم يصلب بل شبه لهم حتى استبدله الله بيهوذا الذى أبلغ عنه الرومان.
وبخلاف الاختلاف فإن واقعة صلب المسيح تحولت إلى رمز المسيحية الأول فى التاريخ "الصليب" والذى ترمز إلى المسيح مخلص العالم من الخطيئة الأولى (خطيئة آدم وحواء) كما ترمز للتضحية من أجل العالم والفداء من يسوع للعالم.
مقتل الإمام الحسين حفيد النبى محمد
معركة كربلاء
فى 10 محرم سنة 61 للهجرة والذي يوافق 12 أكتوبر 680م، وقعت معركة كربلاء، بين الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت النبي محمد، الذي أصبح المسلمون يطلقون عليه لقب "سيد الشهداء" بعد انتهاء المعركة، ومعه أهل بيته وأصحابه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية.
واستشهد خلال المعركة الإمام الحسين بن على رضى الله عنهما، وحفيد النبى محمد (ص) خاتم المرسلين والنبيين، يعتبر الشيعة معركة كربلاء قصة تحمل معاني كثيرة "كالتضحية والحق والحرية" وكان لرموز هذه الواقعة حسب الشيعة دور في الثورة الإيرانية.
كما يتم الاحتفال بيوم مقتل الحسين فى يوم "عاشوراء" ويعدّ صيام يوم عاشوراء سُنة عند أهل السنة والجماعة، وصيامه يُكفّر ذنوب سنة ماضية.