بمناسبة حركة المحافظين، وما يرافقها من توقعات ومناقشات عن دور المحافظ، وغياب رؤساء الأحياء والمدن، وانتشار الفساد والسماح بالمخالفات، تبدو أول مهمة للمحافظين ورؤساء الأحياء هى مواجهة الإشغالات والمخالفات واستعادة حق المواطن فى الشوارع والأرصفة والحياة الطبيعية وتطبيق القانون من دون تفرقة بين شخص وآخر. وبالرغم من بساطة هذه المطالب إلا أنها المشكلة الكبرى فى المحليات والإدارة المحلية، لأن الجهات التى عليها تطبيق القانون لا تقوم بدورها وواجبها.
واضح أن هناك صعوبة فى القيام بهذا الدور لأسباب متعددة، ومثل الإشغالات تأتى المخالفات فى البناء والتنظيم، وما يحدث أن المخالفين هم الذين تتحرك مصالحهم بينما المواطن الملتزم «يدوخ» بين الإدارات الهندسية ولا يحصل على حقه من دون أن يبذل الجهد ويتعذب، لأن الموظفين غالبا يفضلون المخالف والسبب معروف.
الرئيس عبد الفتاح السيسى لا يفوت مناسبة إلا وينبه إلى الإهمال والفوضى والتقاعس عن تحصيل حق الدولة الذى هو حق المواطن. ويقول: «محدش يتعرض للدولة فى مصلحة المواطنين.. أى أرض تم الاستيلاء عليها مش هاسيبها لحد، والمفروض أن مافيش محافظ يسيب متر أرض لأى حد».. المدهش أن السادة المحافظين يسمعون ويقرأون هذا الكلام ولم نعرف أن أيا منهم بدأ خطوة نحو استعادة هذه الحقوق. هل ينتظر المحافظون ورؤساء المدن والأحياء أن ينزل الرئيس بنفسه ليطبق القانون؟ وفى الوقت الذى تبنى فيه الدولة مدنا ومشروعات فى كل الأنحاء وتحتاج هذه المشروعات لمئات المليارات، هناك مئات المليارات مهدرة أو ضائعة، بسبب تواطؤ أو فساد أو إهمال.
ربما يكون هناك حاجة لإعادة النظر فى عمل ووظائف رؤساء الأحياء والمدن، والإسراع فىإصدار قانون الإدارة المحلية، بالشكل الذى يضمن وجود مجالس شعبية للأحياء والمدن والقرى تنظم عمل المحليات وتواجه المخالفات وتفرض القانون. حيث إن الإدارة الحديثة فى الدول المتقدمة تديرها البلديات والمجالس المنتخبة بشكل يمنحها بعض الاستقلال ويخفف من تصعيد المشكلات للعاصمة. بل إن هذا يساهم بشكل مباشر فى تسهيل عمل البرلمان ويقلل من الضغوط على النواب والمجلس.
ولو راجعنا قضايا الفساد التى تم ضبطها خلال السنوات الأخيرة نكتشف أنها كلها تتعلق بتراخيص لمبانى لدرجة أن الرشوة فى قضية فساد واحدة بلغت 500 مليون جنيه، فى محافظة واحدة ضبطتها الرقابة الإدارية ومتورط فيها مسئولون سابقون بمحافظة مرسى مطروح، وهذا المبلغ أضاع عشرين وربما ثلاثين مليار من المال العام، فى صورة أراضٍ ومصالح أخرى. كما سقط عدد من رؤساء الأحياء والمدن برشاوى كبيرة، كان أقربها رئيس حى بالقاهرة سقط متلبسا برشوة أكثر من مليون جنيه، ورؤساء أحياء الهرم والدقى والتجمع الخامس وحى المستثمرين والرحاب وروض الفرج السابقين، وأيضا نائبة محافظ الإسكندرية، ومحافظ المنوفية المسجون بعد إدانته بالرشوة، حقق 50 مليون جنيه فى عام واحد.
كل هذا الفساد فى المحليات وإذا حققنا نكتشف أن نفس المسئولين يعطلون مصالح المواطن الملتزم الطبيعى الذى يعجز عن تحصيل قرار أو رخصة ويتم تحرير محضر له من نفس هؤلاء الفاسدين. ومهما كانت تحركات الرقابة، فإن ثغرات القانون ونظام الإدارة واضح أنها تفتح الباب للفساد. وأهم أسباب الفساد السلطة المطلقة لرؤساء الأحياء والإدارات الهندسية، واستمرار الإجراءات المعقدة، التى تجعل المسئول فوق أى مساءلة أو قانون. لدرجة أن الملتزمين أحيانا يواجهون عراقيل، ومن يدفع يمر، وبعض من يلتزمون بالقانون، يضطرون للتعامل من أجل عبور العراقيل.
وربما يكون الحل فى تعديل القانون بحيث يكون هناك مسارات واضحة للتصاريح والتراخيص، مع وجود جهات أخرى تراقب قرارات الجهات المختلفة ويمكن للمواطن أن يلجأ إليها لحل مشكلاته أو التظلم من القرارات المتعسفة.
وفى النهاية فإن إصلاح قوانين المحليات، ومنح سلطات للمجالس الشعبية المحلية، وإعادة النظر فى صلاحيات الإدارات الهندسية، وتوزيع السلطات إلى الجهات الأعلى كلها تحاصر الفساد الذى أصبح خارج نطاق العقل والمنطق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة