كان الرئيس جمال عبدالناصر يستعد للسفر إلى العاصمة المغربية الرباط، يوم 20 ديسمبر 1969 لحضور القمة العربية، وقبل سفره بساعات أصدر قراره بتعيين أنور السادات نائبا لرئيس الجمهورية.. «كان القرار مفاجئا وسوف يظل موضع مناقشات وبحوث مستفيضة»، بوصف الكاتب الصحفى «عبد الله إمام» فى كتابه «انقلاب السادات، أحداث مايو 1971»، مؤكدا أن سبب المفاجأة يكمن فى: «ما تكشف بعد ذلك من خلال ممارسة السادات للمسؤولية، ووضع خطه المخالف لكل ما كان يمثله ويعمل من أجله عبدالناصر».
يذكر الكاتب الصحفى عبدالله السناوى فى كتابه «أخيل جريحا، إرث جمال عبدالناصر»، أن عبدالحكيم عامر والسادات هما «كعب أخيل» عبدالناصر..يقول: «يلخص المشير عامر «كعب أخيل» الأول، فهو صديقه الأقرب، بل هو توأمه الإنسانى، وسنده فى حسم صراعات السلطة، حتى أصبح نفسه مقتل التجربة بالطريقة التى كان يدير بها القوات المسلحة فى لحظة حرجة من التاريخ المصرى، ويلخص السادات «كعب أخيل» الثانى لانقلابه الكامل على مشروع «يوليو»، والرغبة الجامحة فى التشهير بكل ما ينتسب إليها».
رأى «السناوى» يعزز أهمية سؤال: «لماذا، وكيف أقدم عبدالناصر على تعيين السادات نائبا له؟».. فى الإجابات أكثر من رواية تصل إلى حد التناقض.. يذكر السادات نفسه واحدة منها فى مذكراته «البحث عن الذات»، قائلا: «من أحداث تلك الفترة التى كانت ذات أثر بعيد فيما بعد، أن عبدالناصر فى ساعة صفاء وإلهام، قال لى وكان ذلك فى 19 ديسمبر 1969: أنا مسافر يا أنور لحضور مؤتمر القمة العربى فى المغرب يوم 20 ديسمبر، وزى ما أنت شايف المؤامرات حولى كثيرة ومحتمل جدا أن أصاب فى إحدى هذه المؤامرات، وأنا مش عايز البلد تبقى تايهة ومش عايز أسيب البلد فى فراغ، ولذلك قررت أن أعينك نائب رئيس جمهورية وتحلف اليمين قبل ما أمشى.. كنت أعرف أن مؤامرات عملاء الاتحاد السوفيتى «روسيا» بدأت بعد أن أتى الطبيب الروسى شازوف إلى مصر ورأى عبدالناصر، وأسر إلىَّ وإليهم دون شك بأن الأزمة القلبية التى أصابت عبدالناصر من النوع الخبيث وأنه لن يعيش بها طويلا».
يضيف: تمعنت ما قاله عبد الناصر وأجبته: فكرت يا جمال ورسيت؟.. أنا مش عاوز ياجمال أبقى نائب رئيس جمهورية.. أنا حاكمل معاك واشتغل، وإذا كان لابد من لقب كفاية مستشار رئيس الجمهورية.. قال: لأ.. بكرة «20 ديسمبر» تفوت علىَّ تحلف اليمين.. وفعلا ذهبت إليه فى اليوم التالى ومعى حسين الشافعى كعادتنا لاصطحابه إلى المطار، وفى المنزل طلب أن أحلف اليمين، ففعلت وحينما ذهبنا إلى المطار لتوديعه أعلنها عبدالناصر على الجميع».
يقصد السادات بـ«عملاء السوفيت»، كبار خصومه ممن عملوا بجوار عبدالناصر، ثم أطاح هو بهم وسجنهم فى قضية «15 مايو 1971».. يبقى قوله بأن «شازوف» أخبره وهؤلاء «العملاء»، أن عبدالناصر لن يعيش طويلا بسبب إصابته فى القلب، وهى رواية تكذبها رواية «شازوف» نفسه، فى مذكراته «الصحة والسلطة» ترجمة: الدكتور إيمان يحيى.. يكشف شازوف، أنه حضر إلى مصر بتعليمات من القادة السوفيت، بعد اتصال من القاهرة للانضمام إلى كونسلتو أطباء يتابعون حالة الرئيس على أثر شعوره بألم فى صدره بدءا من 10 سبتمبر 1969.. يؤكد: «لحسن الحظ فإن التطور الخطير فى حالة عبدالناصر لم يكن مر عليه سوى يوم واحد أو يومين، وكان من السهل اكتشاف أن عبدالناصر يعانى من «احتشاء القلب»متوسط الخطورة ودون أية مضاعفات».
يذكر شازوف، أنه فحص عبدالناصر فى غرفة نومه المتواضعة، وعندما سأله الرئيس عن احتمال تطور حالته، أجابه: «يلزمنا على الأقل عشرة أيام قبل أن يصبح كل شىء واضح أمامنا، وانتهى اللقاء بالاتفاق أن أبقى فى مصر لمدة عشرة أيام هى أخطر فترة يمر بها مريض القلب عقب إصابته بالذبحة الصدرية، وكان يجب عليه أن يتعاطى العقاقير التى تسهم فى توسيع مجرى الأوعية الدموية فضلا عن أدوية أخرى مضادة للتجلط».
يكشف شازوف: «كان السادات وآخرون من قادة الدولة ينتظرون فى الطابق الأول لمنزل عبد الناصر حين هبطنا إليهم بعد لقاء الرئيس، وأبلغناهم بما توصلنا إليه وأخذ السادات فى الإطالة بعبارات الشكر والثناء على بسبب الأنباء الطيبة التى حملتها، ومنها أن حياة عبد الناصر لا تتعرض لخطر مباشر، وموافقتى على البقاء فى القاهرة».. هكذا لا يذكر «شازوف» تلميحا ولا تصريحا عن خطورة مرض عبدالناصر إلى حد الموت، ويذكر أن السادات شكره لأنه حمل أخبارا طيبة عن المرض.. يفتح ذلك الباب أمام الروايات الأخرى، ومنها وفقا لعبدالله إمام: «رأى يقول، أنه كان تعيينا مؤقتا قبل سفر عبدالناصر إلى الرباط لحضور القمة العربية بعد أن تلقى أنباء عن مؤامرة لاغتياله، ورأى يقول أن هذا الإجراء كان ورقة للضغط على الاتحاد السوفيتى للحصول على مزيد من الأسلحة، وإلا فإنه سوف يترك الرئاسة للسادات الذى يمكنه التفاهم مع الغرب، ورأى ثالث، يرى أن هذا القرار المفاجئ قبل السفر كان لتفادى الصدام والتضارب فى الاختصاصات بين حسين الشافعى وأنور السادات خصوصا فى فترة سفره»، ويتواصل البحث عن أسرار القضية.