بدأت لهجة السياسيين فى إيران المقربين من مراكز صنع القرار تتحول تدريجيا وتتجه لجانب آخر من جوانب السياسة الإيرانية، وهو الجانب البراجماتى الذى برعت فيه طهران السنوات الماضية، وتلجأ إليه طهران فى بعض الأحيان لإدارة علاقاتها الخارجية، وتعطى أولوية للمصالح على حساب المبادئ، تمثل هذا فى أمرين، أولهما تصريح لوزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف الذى قال فيه "إن كانت أوروبا تشكو من مسألة صنعنا للصواريخ فعليها أن تبيع الطائرات المقاتلة لنا"، والأخر كان لدعوة الرئيس حسن روحانى الذى ينظر إليه على أنه شخصية برجماتية محسوبة على الإصلاحيين بالتفاوض دون ضغوط.
كرر العديد من المسئولين الإيرانيين النافذين والمقربين من مراكز صنع القرار فى أكثر من مناسبة بأن "أسلحة إيران ليست موضع تفاوض" غير أن تضييق الخناق على طهران والمساعى لتشكيل ائتلاف عالمى لممارسة الضغوط عليها، قد يعيد العقلية البراجماتية الإيرانية إلى المشهد مجددا لتتغلب على شعاراتها ذو أيدلوجية أو مبادئ ثورة 1979 والتى احتفلت طهران بعامها الأربعين الأسبوع الماضى وسط تجاذب وتوتر متصاعد مع الولايات المتحدة.
تصريح الوزير الإيرانى، يشير إلى أن طهران عادت مجددا لإلقاء الكرة فى ملعب أوروبا التى تتقاسم مع الولايات المتحدة مخاوف تطوير طهران برنامجها الصاروخى الباليستى، اثر الضغوط من مختلف الإتجاهات والأزمات الداخلية المتلاحقة للنظام، ففى الخارج تمارس الولايات المتحدة أشد أنواع الضغوط بالعقوبات تارة والعمل مع حلفاءها لدرء التهديدات الإيرانية تارة أخرى، وفى الداخل يمارس المتشددون ضغوط قصوى على فريق روحانى.
يفهم من تصريح الوزير أنه تلويحا لأوروبا بإمكانية عقد صفقة جديدة معها بدلا من التفاوض حول خفض القدرة الصاروخية، تشمل بيع مقاتلات أوروبية إلى طهران، مستندا بذلك إلى تجربة الحرب العراقية الإيرانية حيث لم تكن تمتلك طهران –وفقا لظريف- أية اسلحة لإحداث توازن بين الجبهتين آنذاك، قائلا "لدينا تجربة فى الحرب الإيرانية العراقية، ففى تلك المرحلة لم نكن نمتلك أى شيء للدفاع عن أنفسنا.. نحن مضطرون للدفاع عن أنفسنا، منطقتنا مليئة بالأسلحة".
مشاهد أخرى لخفض التوتر بين إيران وخصومها، من بينها تصريح لروحانى قبيل ساعات من عقد مؤتمر "وارسو" الدولى والذى شكل جبهة مناهضة لسلوك طهران بزعامة الولايات المتحدة، وقال الرئيس الإيرانى ""مؤامرات القوى الكبرى وخاصة أمريكا، لا يمكنها ان تؤثر على إرادة شعبنا"،.. "إذا كان هناك أحدا يرغب فى التحاور مع إيران، فى إطار احترام البلاد والقانون واللوائح الدولية فنحن دائما أهل للحوار بعيدا عن الضغوط" ما يمكن اعتباره عرضا إيرانيا جديدا على واشنطن، وإلقاء الكرة فى ملعب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لكن فى الوقت اصطدمت تصريحات روحانى مع تصريح ناري للمرشد على خامنئى بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة قال فيه ""لا يمكن تصور حل أي مشكلة مع أمريكا"، وأن "التفاوض معها سيعود علينا بالضرر المادي والمعنوي".
وفى السياق نفسه، يسعى روحانى إلى خفض التوتر مع جيران طهران، بعد تصريح لقائد الحرس الثورى طلب فيه الإذن من قادة النظام للثأر لقتلاه فى حادث زاهدان الأسبوع الماضى والذى قضى فيه 27 من عناصره فى تفجير حافلة، وأراد محمد على جعفرى الانتقام من أنظمة عربية بمزاعم تورطها فى دعم منفذيه، وفى إطار تقاسم الأدوار بين مسئولى النظام والذى تلعبه طهران ببراعة، قال الرئيس الإيرانى بعد ساعات من تهديدات الحرس الثورى "طهران تريد إقامة علاقات وثيقة مع كل دول الشرق الأوسط، مستعدون للعمل مع دول المنطقة للحفاظ على الأمن فى الشرق الأوسط... أعداؤنا.. أمريكا وإسرائيل يسعون لزرع الشقاق بين الإيرانيين... لن نخضع لضغوط أمريكا وإسرائيل".
تصريح روحانى قد تكون رسالة ضمنية للداخل وتحديدا للحرس الثورى، بإبعاد يده الثقيلة عن المنطقة والكف عن تهديداته لجيران إيران، خاصة وأن الرئيس الايرانى المحسوب على المعتدلين انتقد فى مناسبات مختلفة دور الحرس الثورى المخرب فى الساسة الإيرانية، لكنها رسالة لن تجد لها صدى، فى ظل رفض المرشد الأعلى وهو أعلى سلطة فى البلاد، التفاوض مجددا مع الولايات المتحدة الأمريكية وخفض والتصعيد فى المنطقة، فضلا عن صلاحيات روحانى التى لا تخول له الدخول فى أية مفاوضات مع العالم.