أحمد المالكى

شعور الإنسان بأهميته ينبع من خلال الدور الذى يستطيع أن يؤديه ويحقق به ذاته وينفع به مجتمعه الصغير «أسرته».. والكبير «وطنه»

الأحد، 10 مارس 2019 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان رجلا ميسور الحال، ولديه ابن أفسده تدليل أمه له، فحزن الأب لحال ولده، فطلب منه أن يجد عملًا يتكسب منه ويأتى إليه بما يكسبه.
 
ولما كانت أمه هى من شجعته على الكسل واللامبالاة، فقد أسرت إليه ألا يستمع إلى أبيه وأن يركن إلى الراحة على أن تعطيه هى المال ومن ثم يعطيه لأبيه.
وبالفعل كان الابن يأتى بالمال لأبيه، فيأخذه الأب ويرمى به من النافذة، والابن لا يبالى.
 
إلى أن كان يوم لم تجد الأم مالًا، فاضطر ابنها إلى أن يجد عملًا فى ذلك اليوم، ثم أتى بالمال إلى أبيه، وعندما أراد الأب أن يرمى بالمال من النافذة صرخ الابن متوسلًا أباه ألا يرميه، لأنه بذل الوقت والجهد والعرق ليحصل عليه، عندها ابتسم الأب مطمئنًا، اطمأن إلى أن ابنه قد وعى الدرس.
 
فالعمل أعطى قيمة للوقت وللمال، بل للحياة بأسرها، فحين يمر عليك الوقت وتتتابع عليك الأيام بدون أن تؤدى أى عمل، فلا فرق عندك إذن بين ليل ونهار، تفقد الأشياء قيمتها، وتجد نفسك تتساءل: «لماذا أعيش؟ هل أنا فعلاً على قيد الحياة؟!!».
 
فبعملك وبما تستطيع أن تقدمه تكون على قيد الحياة، بل على قيد الإنسانية.
 
فكل عمل شريف نافع مهما كان بسيطًا أو متواضعًا فهو حلقة فى سلسلة الحياة، فإذا فُقِدت تلك الحلقة انقطعت السلسلة..
 
وشعور الإنسان بأهميته ينبع من خلال الدور الذى يستطيع أن يؤديه ويحقق به ذاته وينفع به مجتمعه الصغير «أسرته»، والكبير «وطنه».
 
فشعوره بتحقيق ذاته، وأنه قادر على كسب قوته وتوفير احتياجاته وأسرته، وأنه لا يمثل عبئًا على غيره، كل هذا من أسباب الشعور بالرضا والسلام النفسى والسعادة، 
وعلى العكس منه الشخص الكسول المعتمد على غيره، فهو بسلبيته ظالم لنفسه ومقصر فى أداء دوره، وهما لا يستويان أبدًا.
 
«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».
 
فديننا الإسلامى يحرص على إيجابية الإنسان، وأن يكون نافعًا لنفسه ولغيره، وليس معنى أن الرزق من عند الله أن يركن الإنسان إلى الكسل وينتظر رزقه ولكن عليه أن يعمل ليجنى، وأن يزرع ليحصد. 
 
وهذا قول الفاروق «عمر بن الخطاب» رضى الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: «اللهم ارزقنى. فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة».
 
ولنا فى رسولنا وجميع الأنبياء الأسوة الحسنة، فما من نبى إلا وكان له عمل يمارسه «كالنجارة والخياطة والتجارة».
 
وعلمنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن العمل الشريف- أى عمل- أفضل من سؤال الناس، فعن أبى هُريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا، فليعطيه أو يمنعه». متفق عليه.
 
وكما قال «من أمسى كالًا من عمل يديه أمسى مغفورًا له».
 
فبالعمل يكفى الإنسان نفسه، ويساهم فى بناء وطنه، فالوطن دائمًا ما يواجه تحديات لكل منا فيها دور وعمل ورسالة، فالجندى يؤدى دوره فى حماية أرض الوطن والدفاع عنه، والمعلم يؤدى دوره فى بناء الأجيال، والطبيب معالجًا مرضاه، والعامل فى ورشته ومصنعه، وضابط الشرطة وحفاظه على الأرواح والممتلكات، فهى بالفعل سلسلة من الأعمال المتداخلة والتى بإتقانها والإخلاص فيها يتقدم الوطن بخطوات ثابتة  يملؤها العزيمة والإصرار نحو المستقبل، فبناة الأوطان لا مكان بينهم لمتكاسل لا يقدر قيمة العمل، بل قد يكون هو نفسه عائقًا لغيره فى سبيل التقدم، فهذا أوان الجد، لا أوان الكسل والتوانى.
 
ويكفينا دافعًا للعمل والسعى على الرزق أنه أمرٌ إلهى «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، وأن أعمالنا معروضة على الله «وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة