يعشق البعض الانتقاد بسبب وبدون سبب، وينظرون إلى مصر من نافذة لا ترى الواقع الذى نعيشه، بالتأكيد ليس كل شىء على ما يرام، هناك سلبيات لا يمكن تجاهلها، وهناك ملفات مازالت تحتاج إلى إعادة نظر ورؤية مختلفة، لكن أيضا هناك إنجازات لا يمكن لأحد إنكارها، وهناك جهود تبذل فى كل اتجاه لتحسين الأوضاع وتغيير وجه الحياة، وبدأت ثمار ذلك تطيب للجميع، لكن لدينا فئة أدمنت الانتقاد دون وعى، لا ينظرون لأى إيجابيات بمنطق أن هذا هو العادى، لكنهم يركزون جيدا على كل ما هو سلبى، ويتصيدون الحوادث ليهيلوا التراب على ما تحقق من تغيير حقيقى فى البلد.
والأغرب أن هؤلاء لا يريدون أن يروا بلدهم فى سياق ظروفه التى مر بها والإهمال الذى سكنه لعقود طويلة والفساد الذى عشش فى كل جوانبه منذ زمن، فهم لا يرون كل هذا ويصرون على التعامل بشكل آخر..أبسط ما يمكن وصفه بأنه ظالم لمصر وما تشهده الآن من حركة بناء وإعمار حقيقى.
يصر بعض هؤلاء على أن يروا مصر مرة بعيون يابانية، وآخرون من زاوية غربية دون أن يكلفوا أنفسهم مجرد سؤال هل يمكن أن نطبق الحالة اليابانية أو الغربية على مصر.. هل يمكن أن نقارن بين بلد بدأ البناء منذ سبعين عاما تقريبا وبإرادة شعبية حقيقية، وبين بلد يسوده الإهمال وتسيطر على سلوكيات أهله العشوائية والشخصنة واللامبالاة؟
هؤلاء يرون مثلا أن حادث القطار لا يمكن أن يقع فى اليابان.. والفساد لا يمكن أن يكون فى ألمانيا.. والبلطجة غير مسموح بها فى فرنسا. والإهمال غير مقبول فى دبى.. وهذا كلام فى ظاهره رائع لكن فى جوهره يكشف إما عن جهل بالظروف أو تعمد إحباط للمصريين.
عمومًا لن أدخل فى هذه التفاصيل، ولكننى أسأل كل من ينتقد بقوة لا ترحم من يقاتلون من أجل البلد، ولا تراعى ما تحقق على الأرض من نجاحات تشهد بها كل مؤسسات العالم: إذا كان اليابانى قد ساند بلده والأوروبى قد حقق إرادة التغيير لبلاده.. فماذا فعلت أنت كى تساند بلدك بدلا من الانتقاد الأعمى؟
أليس من الواجب على كل مصرى لا يعجبه حال بلده أن يسأل نفسه عددا من الأسئلة قبل أن يمارس حقه فى الانتقاد.. مثلا.. هل أدى واجبه هو تجاه بلده الذى ينتقده ويكفر بكل ما فيه.. هل حاول مرة أن يكون إيجابيا تجاه بلده فلا يقبل الخطأ ولا يسمح بالتجاوز ولا يرضى بالتهاون.. هل فكر فى أن يسهم مرة فى دعم مشروع يخدم أهل بلده أو يسهم فى شىء يغير وجه مصر.. هل رأى فسادا وواجهه أو أبلغ عنه أو رفض أن يستسلم له.. هل شاهد عشوائية أو إهمالا فى موقعه أو عمله ورفضه أو عمل على إصلاحه.. هل حاول أن يجتهد فى عمله دون أن يقول «على قد فلوسهم».. هل احترم قانون بلده مثل احترام مواطنى الدول الغربية لقوانين بلادهم.. هل فكر أن يعلم نفسه وأبناءه على أن التعصب لا يكون إلا لبلده فلا تعصب لجماعة أو فئة أو فريق أو مهنة على حساب بلده.. هل رفض مرة أن يكسر إشارة مرور أو أن يلقى قمامة فى الشارع أو أن يركن فى الممنوع.. هل قرر أن يسهم مرة فى دعم بلده بأن يوفر فى استهلاكه فيحافظ على قطرة المياه التى نحيا بها أو يدخر فى استهلاك الكهرباء التى ننفق مليارات من أجل توفيرها.. هل فكر ألا يمارس الاستغلال ضد الآخرين، فالتاجر لا يربح على حساب الآخرين والطبيب لا يذبح المرضى بفيزيتة الكشف.. والمعلم لا يخالف ضميره حتى يتربح من الدروس الخصوصية التى يجبر عليها الأسر.. هل حرص على أن يؤدى ما عليه دون غش أو تزوير.. هل فكر مرة فى أن يقدم لبلده دون أن ينتظر الثمن.. هل يراعى ضميره فى عمله فلا يطلب رشوة ولا ينتظر إكرامية ولا يعمل خوفا من عقاب مديره.. هل احترم دوره فى الطابور داخل أى مؤسسة ليتلقى خدمته بالقانون دون واسطة أو محسوبية؟
هل قرر ألا يحصل على أكثر من حقه وألا يطمع فى حقوق الآخرين دون ادنى شعور بالمسؤولية.. هل سدد ما عليه من ضرائب دون تهرب.. هل يدفع الرسوم المقررة عليه مقابل الخدمات التى يتلقاها ولم يسع للتهرب من دفعها.. هل حاول مرة أن يحافظ على ثروات بلده وممتلكاتها، فلا يستهين بها ولا يتهاون فى المساس بها.. هل رفض مرة أن يلقى مهملاته وقمامته فى الشارع.. أو لم يبصق على الأرض.. هل احترم آثار بلده ولم يفكر فى أن يتاجر بها ليصبح مليونيرا على حساب تاريخه.. هل قال مرة أنا مقتدر وأملك ما يكفينى وأن فى بلدى من هم أحوج منى لخدمات دولتهم سواء تموين أو علاج.. هل بادر مرة واعترف أنه أخطأ فى تصرفه أو قصر فى حق بلده وعليه أن يصلح خطأه.. هل فكر مرة كيف يعلم أبناءه معنى الوطن والحفاظ عليه.. هل فكر مرة أن يربى أولاده على احترام قيم وتقاليد وأعراف بلده، وأن يحافظوا عليها.. هل حاول أن يغير سلوكيات خاطئة لاحظها عند أولاده أو المحيطين به..؟
هذه بعض أسئلة على كل منا أن يسألها لنفسه قبل أن ينتقد ويهاجم ويسىء إلى بلده ويراها بنظارة سوداء لا ترى الا السلبيات.
قد يراها البعض أسئلة تصلح فى المدينة الفاضلة، لكننى أراها أسئلة واجبة ومستحقة فى بلد يعانى ليس فقط من أزمات ضخمة ومتراكمة، وإنما الأخطر أنها تعانى من عدم شعور بعض أبنائها بالمسؤولية تجاهها.. وأعتقد لو أن كلاًّ منا سأل نفسه كل هذه الأسئلة أو بعضها قبل أن ينتقد لتراجع فورا وبدلا من أن يلوم بلده سيلوم نفسه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة