إذا تم حل مشكلة السكة الحديد والقطارات ووضع منظومة ناجحة لهذا المرفق، نكون قد وصلنا إلى حل أغلب مشكلات الإدارة فى مصر. وتختصر السكك الحديدية مشكلاتنا فى الإدارة، لأن المرفق يتضمن كل التخصصات، ويعانى من كل أمراض الإدارة، الإهمال والفساد والتسيب فى بعض القطاعات.
والأمر لا يتعلق فقط بالصغار، لكنه يرتبط بنظام إدارى لم يعد يتناسب مع العصر ويتطلب تحديثًا كبيرًا، يتعامل مع القطارات وإجراءات الأمان والتوقيت مثلما يجرى التعامل مع الطائرات، من حيث تعليم وثقافة وتدريب العاملين، من أكبر مسؤول على أقل موظف أو عامل.
ولو راجعنا تفاصيل حوادث القطارات على مدى عشرين عامًا، نكتشف أنها وقعت بسبب ثغرات فى أضعف نقاط المرفق. وحتى حادث حريق قطار الصعيد عام 2002، كان بسبب غياب الرقابة، وأيضًا فساد نظام الإطفاء داخل القطارات، وهو أمر تكرر بصورة أخرى فى حادث محطة مصر، حيث يشكل نظام الإطفاء الجزء الثانى من المسؤولية عن اتساع حجم الخسائر المادية والبشرية.
السيمافورات والإشارات والمزلقانات، وراء 90% من الحوادث الكبرى. ومن هنا فإن الرهان على نجاح المهندس كامل الوزير فى مهمته، تصحبه رهانات متعددة على إمكانية بناء منظومة تستمر فى العمل بناءً على تطبيق للقانون، ووضع قواعد دائمة تعمل بصرف النظر عن من يجلس على قمة الوزارة. وهذا هو التحدى الملقى على عاتق الوزير. والرجل بالفعل أثبت قدرة على الإنجاز والتعامل مع تفاصيل متعددة وقطاعات متقاطعة ومتشابكة، فى الهيئة الهندسية. وغادر مكانه تاركًا منظومة مستمرة من بعده لا تعتمد عليه. وهنا نقطة النجاح التى تحسب له.
مع الأخذ فى الاعتبار أن السكك الحديدية بالرغم من أنها تحتل المقدمة لأزمات النقل، هناك الطرق والنقل العام، ومترو الأنفاق، وكلها عناصر مهمة تمثل أحد أهم أجنحة الخدمات والتى تتعلق بتحركات وحياة المواطنين. ولهذا فإن الرهان متسع على الوزير أن يتحرك على كل هذه الجبهات، ليضع نظامًا قادرًا على الضبط والاستمرار.
وللمفارقة أن من يستخدمون مترو الأنفاق وإنا منهم، لاحظوا تغيرات فى الإدارة، وتراجع أعداد الباعة الجائلين وتسارع التقاطر نسبيًا، بما يعنى أن هناك إمكانية للضبط، ومع هذا تختفى عندما تغيب أسس المنظومة. ولانقول إنه تحول تام، لكن هناك رهان على أن تكون هناك تراجعات فى الأعطال، واحترام أكبر للركاب فى حال وجود تعطل أو تأخر.
ولايقل مترو الأنفاق أهمية عن قطارات السكة الحديد، لأنه مرفق ينقل ملايين يوميًا، ويمثل إحدى مناطق الضبط بشكل يتخطى القطارات. ولا يمكن إنكار الجهد الذى بذله المهندس هشام عرفات، وزير النقل السابق، والذى كان وزيرًا كفؤًا أيضًا، حاول بقدر استطاعته تطوير المنظومة. وكان يقوم بجولات فى المترو ويستمع للجمهور، فضلًا عن جهوده لتطوير القطارات، وقد كانت لفتة طيبة من المهندس كامل الوزير أن استقبل عرفات وتبادلا تسليم المهمة. وعرفات رجل هزمه الإهمال.
وهو ما ينقلنا إلى منظومة السكة الحديد والنقل العام والتى تتطلب جهدًا استثنائيًا لوضع قواعد حاسمة للعمل، والرقابة وأن يقوم كل فرد بدوره ضمن تناغم يتطلبه العمل فى مرفق مهم كالسكة الحديد. لأن الثغرات الصغيرة تقود لمشكلات كبيرة، وأساس المنظومة فى السكك الحديدية هو ضبط أداء المزلقانات والسيمافورات، بتوسيع التكنولوجيا وتقليل دور العامل البشرى، فضلًا عن ضبط الأداء الإدارى والتواصل الرقابى بين كبار المسؤولين وصغارهم، لسد الثغرات التى ينفذ منها الإهمال. وكل شخص فى منظومة القطارات عليه دور خطير، وبالتالى فإن عامل المزلقان لا يقل أهمية عن سائق القطار أو المساعد، ومراقبة الإشارات.
ربما لا تكون مفاجأة أن لدينا الكثير من التقارير، البرلمانية والفنية، تم إنتاجها فى أعقاب حوادث مختلفة، بالإضافة إلى تقارير أعدها وزراء النقل السابقون، يمكن أن تشكل قاعدة لبناء منظمة إدارية ناجحة للسكك الحديد، وأيضًا مواجهة الثغرات التى يعانى منها المرفق، وغالبًا فإن التشخيص متاح ومعروف، يتعلق بالجوانب الفنية والبشرية، والإمكانيات المادية اللازمة، وأنظمة الإطفاء والأمان. يضاف إلى ذلك الإدارة الاقتصادية، واستغلال محطات المترو بشكل أمثل يوفر عائدًا، ويساهم فى تمويل الخدمة.
ومراقبة قطع الغيار والأصول الثابتة والأراضى، بشكل يضمن حماية ثروة المؤسسة من الفساد والنهب. فالسكك الحديدية تمتلك ثروات وإمكانات هائلة، ومعاهد للتدريب، كلها تراجعت خلال عقود وتحتاج إلى الإحياء، ومع أهمية الإمكانات المادية التى تم تخصيصها للتطوير، فإن الأهم هو إحياء منظومة متعددة الأطراف على قمتها البشر.
كل هذا يضع مسؤولية كبيرة على عاتق المهندس كامل الوزير، حيث يمثل نجاح المنظومة وعملها بتناغم، تحديًا، يراهن كثيرون على قدرة الوزير وعمله. وظهر هذا فى جولات لمناطق العمل، والورش والأبراج. وأيضًا لقاءاته مع الجمهور واستماعه لشكاوى عن تأخير القطارات والخدمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة