إن أريد إلا الإصلاح، هكذا لخص ضياء رشوان نقيب الصحفيين مهمته فى دورته الجديدة داخل النقابة، يراهن رشوان فى إنجاز مهمته على لمّ الشمل الذى جعله شعاره الانتخابى ولقى ترحيبا واسعا، كما يعتمد على أرضيته الممتدة بين كل التيارات السياسية والمؤسسات الصحفية والتى تجعله مقبولا من الغالبية، إضافة إلى مهارته السياسية فى التفاوض، لكن هذا لا يعنى أن مهمة النقيب سهلة، أو أنه يمتلك عصا موسى التى يمكن من خلالها إنهاء كل ما يسيطر على الوسط الصحفى من احتقان وتربص وروح انتقامية، فالمهمة ثقيلة وما أعلمه أن النقيب ضياء رشوان يدرك هذا ويفهم جيدا أن الأرض الصحفية تعانى الكثير من التشققات نتيجة العطش المهنى الذى تواجهه منذ فترة وندرة الموارد والفقر المالى الذى أصبح ظاهرة عامة فى أغلب المؤسسات الصحفية، وما ترتب عليه من بطالة عنيفة خلقت مساحات غضب لدى قطاعات كبيرة من شباب المهنة، والأخطر أن المؤشرات لا تبشر بالخير، فالمعاناة تتزايد يوما بعد الآخر، والمنضمون إلى سوق العمل الصحفى يتزايدون، نتيجة كثرة كليات وأقسام الإعلام والصحافة التى تمت الموافقة عليها خلال العشرين عاما الماضية دون أى دراسة حقيقية أو حساب لما تحتاجه مصر فعليا من خريجى هذه التخصصات، أو نتيجة هوجة الصحف والقنوات والوسائل الإعلامية التى ظهرت فى نفس الفترة دون أن تكون لها أسسا اقتصادية أو ثوابت تضمن استمراريتها، والآن ندفع جميعا ثمن هذه السياسات الخاطئة ومطلوب من الدولة أن تتحرك لتعالج خطايا بعض رجال أعمال أرادوا استغلال الصحافة والإعلام لتحقيق مصالح سياسية، وعندما انتهت المصلحة لم يتوان واحد منهم فى التضحية بمن لديه من صحفيين.
وكل هذا يؤكد أن المواجهة المطلوبة لإنقاذ مستقبل أجيال مهددة فى لقمة عيشها لن تكون مهمة يسيرة، وهى لا تنفصل أبدا عن مهمة إنقاذ مستقبل المهنة نفسها والتى تتطلب من النقيب الجديد أن يدير حوارا علميا لا يقوم على الأهواء والعواطف والتجاذبات السياسية وإنما يقوم على المعلومة والتحليل الموضوعى لنحسم ما الذى يتطلبه المستقبل منا كأبناء للمهنة، وهذا يفرض علينا أن تطرح مجموعة من الأسئلة ونتناقش حولها بصراحة ووضوح.
هل فعلا انتهى عصر الصحافة الورقية؟
هل خرجت الصحافة المصرية عن سياق التطور الطبيعى للصحافة فى العالم؟
هل افتقد شباب الجيل الجديد قواعد المهنة؟
هل مشكلة المهنة الآن مالية فقط أم أنها أكبر من هذا؟
وما هو المطلوب لرسم المستقبل الصحفى لمصر.. هل هو دعم المواقع الإلكترونية؟.. هل هو التحول الرقمى؟.. هل هو تدريب وتأهيل الأجيال الجديدة بأساليب مختلفة؟.. هل هو تخفيض أعداد من يدخلون سوق العمل الصحفى والإعلامى؟.. هل هو هيكلة جادة للمؤسسات الصحفية؟
ثم هل نقابة الصحفيين نفسها تحتاج إلى إعادة نظر فى تركيبتها وسياق عملها وآلياتها فى الدفاع عن المهنة وأهلها؟
المؤكد أن هذه الأسئلة تحتاج إجابات حاسمة يتم التوافق عليها من الغالبية، صحيح أن كلا منا يعتقد أنه يمتلك إجابة لكل هذه الأسئلة وأكثر منها، لكن هذه الإجابات تظل شخصية ولا تحل المشكلة ولا تقدم لنا تصورا واضحا للمستقبل حتى نستطيع صياغتها بشكل جماعى يعبر عن ابناء المهنة ككل وليس عن صحفى واحد أو مؤسسة واحدة.
ولا أظن أن هناك وقتا أفضل لتحقيق هذا من الآن، فالنقيب ضياء رشوان هو بالأساس باحث مطلع على تجارب العالم ولديه أيضا علاقات جيدة مع كل ألوان الطيف الصحفى، ويستطيع أن يجمع من يبحثون فى هذه القضايا ويجيبون عن تلك الأسئلة بالعلم والحيادية والموضوعية المطلوبة.
لكن قبل أن يبحث رشوان عن الطريق الأنسب للإصلاح المطلوب والإجابات النهائية للأسئلة الجوهرية، فعليه أولا أن يقود مهمة إصلاح أحوال مجلس النقابة نفسه ولم شمل أعضائه بدلا من حالة التفتت الواضحة التى يعرفها كل الوسط الصحفى.
المهمة الأولى للنقيب الآن والتى سيكون لها تأثيرها الواضح فى نجاحه هى توحيد الصوت فى مجلس النقابة، وأول الطريق إلى هذا هو الابتعاد عن المزايدة التى يصر البعض على ممارستها، وأصبحت تضر أكثر مما تفيد.
وعلى أعضاء المجلس تفهم طبيعة المرحلة التى تمر بها المهنة، وأن القضية الآن عند الصحفيين هى من يحقق لهم مطالبهم الخدمية الملائمة، ومن يملك قدرة إدارة الحوار مع مؤسسات الدولة من أجل مستقبل المهنة، وليس من يقدر على الصدام.
ومن الظلم تحميل النقيب وحده مهمة إدارة الحوار بينما يحيط به مجلس منقسم أو متضارب المصالح.
الخلاصة أنه مهما أوتى النقيبب من قوة فلن ينجح فى مهمته بدون التفاف مجلسه حوله وإدراكه لما يواجهه الوطن من تحديات ووضعه مصالح مصر والمهنة فوق كل اعتبار، فليس من صالح الصحفيين ادعاء البطولة واصطناع الأزمات، كما أنه لن يفيد المهنة الصوت العالى والشعارات الهلامية، لأن مستقبل الصحافة يحتاج إلى حوار هادئ وصوت عاقل ورؤية شاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة