نظم مجلس النواب على مدار 4 أيام حوارا مجتمعيا شاملا ، بلغت عدد ساعاته مايقرب من 20 ساعة، شهد دعوة وحضور ممثلى مختلف فئات المجتمع ، حيث تمت دعوة أكثر من 300 شخصية لحضور جلسات الحوار منهم ممثلى الأزهر والكنيسة ورجال الصحافة وأساتذة الجامعات وأساتذة القانون الدستورى، وممثلين عن الهيئات والجهات القضائية ورجال القضاء، وممثلى الأحزاب السياسية والشباب والشخصيات العامة والمجتمع المدنى ورجال المال والاقتصاد، والنقابات والمجالس القومية.
وكان شعار البرلمان فى هذه الجلسات "لا إقصاء ولا تخوين لأحد"، هذا الشعار الذى رفعه الدكتور على عبد العال رئيس المجلس وأكد عليه منذ اللحظة الأولى لتلقى البرلمان مُقترح الـ155 نائبا بتعديل بعض مواد الدستور، فقد كان حريصا على التأكيد أن البرلمان سيستمع للجميع، مؤيد ومعارض، دون سقف، ودون تخوين، وجاءت جلسات الحوار المجتمعى لتؤكد التزام السلطة التشريعية بوعودها فى الاستماع لكل الآراء.
لم يكن هناك سقفا للمناقشات خلال تلك الجلسات، فقد عبر الجميع عن رأيه بكل حرية وشفافية دون قيد أو خوف من أى عواقب كما كان يحدث فى الماضى، ما يُعد مؤشر قوى لأن تفتح جلسات الحوار المجتمعى التى عقدها مجلس النواب بشأن مشروع التعديلات الدستورية أُفق جديدة للعمل السياسى والحوار البناء بين مختلف فئات المجتمع والقوى السياسية فى المستقبل، كما أن مثل هذه الجلسات سيكون لها دور فعال فى تعزيز دور الأحزاب السياسية والشباب والنقابات المهنية والشخصيات العامة فى المشاركة السياسية الفعالة.
مشهد لم نعتاده فى الحياة السياسية، أن نرى كل هذه الوجوه من المؤيدين والمعارضين تحت سقف قاعة واحدة، وأن تكون هذه القاعة هى القاعة الرئيسية لمجلس الشورى سابقا، وأن يترأس هذه الجلسات رأس السلطة التشريعية فى مصر، ورئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، ما يعكس اهتمام المجلس بها، لم نعتاد أيضا أن نسمع أصوات معارضة ودون سقف وأخرى مؤيدة فى نفس الجلسة، فدائما ما كان للمعارضين اجتماعاتهم وللمؤيدين جلساتهم، لم نرى مؤيد ومعارض إلا على شاشات البرامج التليفزيونية الحوارية فقط.
ربما يضع مجلس النواب، بإدارته المحترفة لهذه الجلسات، سُنة جديدة فى الحياة السياسية المصرية بعد فترة انتقالية طال عمرها، فما فعله مجلس النواب الحالى، برئاسة الدكتور على عبد العال، لم يحدث من مجلس الشعب عام 2005 برئاسة الدكتور أحمد فتحى سرور، فى نفس الشأن، حيث اقتصر الحوار المجتمعى حول التعديلات الدستورية عام 2005 على بعض المبادرات المجتمعية سواء من النقابات المهنية أو المجالس القومية أو منظمات المجتمع المدنى، فيما كان مجلس الشعب وقتها فى جزيرة منعزلة يناقش ويُقر التعديلات دون الالتفات إلى أى آراء أو أصوات معارضة، أو حتى لديها ملاحظات على مشروع التعديلات.
من ناحيته قال الدكتور حافظ أبو سعدة، رئيس مجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأحد المُشاركين بجلسات الحوار المجتمعى والذى كان لديه ملاحظات عديدة على مشروع التعديلات، إن جلسات الحوار المجتمعى التى عقدها مجلس النواب تُحسب له، مؤكدا أن دعوة البرلمان لرؤساء الأحزاب والمستقلين داخل المجلس للاستماع إلى آراءهم جانب إيجابى وجديد.
وأوضح أبو سعدة، أن مصر الآن عبرت مرحلة الأزمة، لافتا إلى أن الوضع الاقتصادى والسياسى الصعب كان مستمر منذ عام 2013، مشيرا إلى أن الدولة تشهد الآن استقرارا على المستويين السياسى والاقتصادى، قائلا "ونأمل أن يُساهم ما يحدث الآن فى فتح صفحة جديدة فى العمل السياسى، ومشاركة أوسع من الأحزاب والقوى السياسية"، لافتا إلى أن عودة مجلس الشورى تحت مسمى "مجلس الشيوخ" قد يكون مناسبة لتعزيز المشاركة السياسية والاستعانة بالخبراء والسياسيين.
واستشهد الدكتور حافظ أبو سعدة، بواقعة تعكس التزام البرلمان بحوار راق ديموقراطى بعيدا عن التخوين، عندما رفض رئيس مجلس النواب الدكتور على عبد العال مطلب أحد الحضور فى جلسات الحوار المجتمعى حول التعديلات الدستورية، سحب الجنسية ممن يستقوى بالخارج ويعارض التعديلات الدستورية.
وقال عبد العال وقتها، إن مصر دولة ديموقراطية، وبالتالى أحد مفرداتها أن تسمع آراء الناس جميعا "الرأى والرأى الآخر"، ومن يستقوى ويريد أن يتكلم فى الخارج من حقه، لكن لا نضع تشريعا لسحب الجنسية من المواطنين، حيث إن الاستقواء بالخارج جريمة مآلها القضاء، وهو من يقول كلمته.
كما لفت أبو سعدة، إلى تعهد الدكتور على عبد العال رئيس البرلمان، بالسعى إلى التدخل لإخلاء سبيل عدد من السياسيين والشباب المسجونين والمحبوسين ممن لم يرتكبوا عنف، فى قضايا كتابة بالصحف أو على مواقع التواصل الاجتماعى وغيرها، مؤكدا أن هذا التعهد أيضا هو مؤشر لتطور جديد فى الحياة السياسية.
وأوضح أبو سعدة أن الإجراءات التى اتبعها مجلس النواب تتفق مع إجراء التعديل الدستورى، مؤكدا أن تعديله ليس مهمة خاصة بالبرلمان وحده، إنما هى قضية لها علاقة بالمجتمع ككل، وأن اللجوء للحوار المجتمعى والاستماع للآراء المعارضة والوزراء والنواب السابقين يساعد فى أن يكون لدى البرلمان تقييم لاتجاهات الرأى العام تجاه التعديلات المقترحة، وتحسين وتعديل الصياغة حتى تكون معبرة عن حالة المجتمع وليس عن مقدمو التعديلات فقط.
وأشار حافظ أبو سعدة إلى أنه لو تأثرت الصياغة النهائية بالملاحظات التى تم عرضها بجلسات الحوار المجتمعى، ستكون التعديلات حاصلة على حالة من التوافق العام فى المجتمع، ما يصب فى صالح المرحلة الثانية من التعديلات وهى دعوة الشعب المصرى للاستفتاء عليها فى حالة موافقة مجلس النواب على المقترح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة