أكبر عملية نصب واحتيال تعرض لها المواطن المصرى فى تاريخه المعاصر هى تخريب شركات القطاع العام، واستباحة المئات من المصانع والمنشآت الإنتاجية والسياحية والزراعية التى كانت تمثل ملكية عامة أو ثروة شعبية لو أحسن استغلالها لكان لنا وضع اقتصادى مختلف تماما.. فحجم الفساد والنهب التى تعرضت لها هذه الشركات على مر العقود الماضية لا يختلف عن جرائم الحروب والإبادة التى اتفق العالم على حتمية إعدام المتسببين فيها.. ولكننا شعب ينسى تاريخ قاتليه بل ويكرمهم أحيانا.. حتى أننا نسينا مرحلة (المصمصة والخصخصة) التى تعمد فيها المسئولون عن البلاد وقتها أن تخسر هذه الشركات والمصانع وتنهار حتى يتم بيعها بتراب الفلوس لرجال الأعمال والأبناء والأحباب، الذين حولوها إلى منتجعات أو باعوا أصولها بالمليارات، وكهنوا خطوط إنتاجها الضخمة وباعوها خردة أو باعوا المنشآت والمصانع كما هى بعد شهور بعشرات الأضعاف!.
جريمة قذرة مكتملة الأركان ما زال المشاركون فيها والمنتفعون منها أحياء يرزقون بل أسماء لامعة فى عالم المال والأعمال.. والضحية دائما هو هذا المواطن الغلبان، الذى سرقوا ماله وممتلكاته التى كانت توفر له احتياجاته المعيشية بأثمان زهيدة أو توفر فرص عمل لأبنائه أو على أقل تقدير تدخل أرباحها فى ميزانية الدولة فتصلح له طريق أو تنظف له مستشفى حكومى.
والإهمال الجسيم الذى تعرض له هذا القطاع وتلك الشركات والمصانع تعتبر من القصص الخرافية فى عالم الاستثمار، فتسمع العجب عن منتجات تالفة بالمليارات فى المخازن أو خطوط إنتاج وآلات لم يتم إحلالها أو تجددها منذ عام 1882.. وميزانيات غريبة تصل فيها الرواتب والمكافئات إلى أضعاف الأرباح أو يأخذ العمال رواتبهم بدون الذهاب إلى مصانعهم.
نحن نتكلم عن ثمانية شركات قابضة تعمل فى أهم المجالات الاستثمارية التى تربح المليارات فى أى دولة فى العالم، خاصة نحن نتكلم عن دولة مثل مصر إنتاجها الصناعى ضعيف وإنتاجها التناسلى كثيف، لذلك فحجم الاستهلاك هو الأعلى بين دول العالم، ورغم ذلك تجد ما يقرب من نصف المشروعات التى تمتلكها هذه الشركات يخسر أو على أقل تقدير يغطى تكاليفه وديونه فقط.. نحن نتكلم عن ثمانية شركات عملاقة تمتلك ما يزيد عن 120 مصنعا ولكل منها عشرات المنشآت والفروع والمخازن.. وتعمل هذه المصانع فى الغزل والنسيج والصناعات المعدنية والكيماوية والأدوية، بالإضافة إلى شركات عملاقة فى مجال التشييد والبناء والسياحة والفنادق والنقل البحرى والبرى والتأمين.
ليس هناك أرقام واضحة عن حجم استثمارات وممتلكات هذا القطاع وإن كان يتخطى بأسعار اليوم مئات المليارات ورغم ذلك فإن المصانع التى تديرها تلك الشركات لا يصلح معظمها حتى الآن للطرح فى البورصة أما لأنها لم تحقق أرباحا لمدة عامين متتاليين أو لأن هيكلها الإدارى والمالى لا يصلح لجذب المستثمرين، أو لأنها لا تعتمد على كفاءات متميزة تديرها بشكل صحيح، أو لوجود منشآت بالمليارات لا يتم استغلالها بشكل صحيح أو لا يتم استغلالها من الأصل.
فهل يمكن أن تمتلك دولة هذه الثروة العظيمة ولا تنتبه لها وتوفر لها كل مقومات النجاح حتى أنها تعجز عن جذب المستثمرين لتداول اسهمها فى البورصة رغم أن الطرح فى البورصة وإعادة هيكلة هذه المصانع والمشروعات ماليا وإداريا ضرورى وحتمى فى ظل الخسائر التى تحققها شركات الأعمال القابضة حتى أنها تجد صعوبة فى توفير رواتب ما يقرب من 300 ألف عامل وموظف يعملون فيها.
والدولة تعلن كل فترة عن استراتيجية طموحة للنهوض بهذا القطاع وتعظيم الاستفادة من أصوله ووقف نزيف خسائره ولكن للأسف الواقع لا يبشر بذلك ورغم اعترافنا بأنه تركة ثقيلة ومهلهلة، إلا أن اهتمام الدولة بالعناوين يسبق اهتمامها بالتفاصيل.. فكل مصنع أو منشأة تتبع هذه الشركات يتطلب دراسة خاصة بالاستثمار ومتطلبات السوق وكيفية التطوير والتحديث والإحلال وإعادة الهيكلة، والحد من الإهدار وتقليل تكاليف الإنتاج ويجب أن تهتم هذه الدراسات بتطوير أداء العاملين فى هذه المصانع والمنشآت وإعادة تأهيلهم وتدريبهم، لذلك على الدولة أن توفر ميزانية للنهوض بهذا القطاع، على أن تتم مراجعة كل قرش فيها واستغلاله بعناية حتى نخرج منه بعائد حقيقى، وترتفع قيمة هذه الشركات التى هى فى النهاية ملكنا جميعا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة