عندما انتهت الحرب الباردة، واجه الاتحاد السوفيتى السابق أعراضا أقرب لزلزال و طاقة إشعاع خطرة فى كل اتجاه، وضغطت الولايات المتحدة لتضمن استمرار الفوضى، انفصال الجمهوريات الكبرى، وظل الاتحاد الروسى نواة لاستعادة القوة بقواعد جديدة تختلف عما كان وقت الحرب الباردة، روسيا ليست هى الاتحاد السوفيتى، لكنها ليست أيضا هذا الكيان الخاضع لسيطرة المافيا والشركات متعددة الجنسية.
الولايات المتحدة شجعت بريسترويكا ميخائيل جورباتشوف وشعارات «المصارحة والمكاشفة» التى قدمها فى «البريسترويكا والجلاسنوست»، لتطوير الاشتراكية، سرعان ما اكتشف أن الخطة تتجاوز التطوير إلى تفكيك الاتحاد السوفيتى، كان جورباتشوف يرى «ضرورة المحافظة على الدولة، ويعارض أن يحل «كيان هلامى مكانها». يقول فى مذكراته: «لم أستطع التغلب عليهم، يقصد بوريس يلتسين».
أجبر يلتسين جورباتشوف بشكل مهين فى ديسمبر 1991 على توقيع قرار إنهاء الاتحاد السوفيتى، واضطر للانسحاب، ليستكمل يلتسين تسليم روسيا للمافيا، واستقدام شركات أمريكية، لتنهى عملية التفكيك، بل إنه كان يهدف إلى تفكيك الاتحاد الروسى.
جورباتشوف يكشف فى مذكراته آخر فصول الحرب الباردة، وكيف تحول تحت الأضواء إلى ألعوبة، وكيف لعب يلتسين دور الرقم «صفر».
كان انهيار الاتحاد السوفيتى، مقدمة لتفكك أوسع فى توابع الإمبراطوية، وهو ما انتبهت له الصين، من خلال تجديد فى بنية الاقتصاد والإدارة، بخلطة خاصة من الاشتراكية والرأسمالية، لتتجنب مصير الاتحاد السوفيتى.
كان أهم درس من دروس الحرب الباردة، أن الدولة التى تتفكك لا تعود، حيث تختل القيادة وتفقد أى أجهزة للقدرة على التحكم فيها، ولعل المقارنة بين ما جرى فى العراق، من تفكيك للدولة، جعل من الصعب إعادتها إلى الطريق، وسوريا التى احتفظت بنواة الدولة، بالرغم من حجم الدمار الذى جرى.
الصين حققت نموا اقتصاديا، ونجحت فى منافسة الاقتصادات الكبرى، وبعد أن كانت أوربا والولايات المتحدة تحملان رايات العولمة، وحرية انتقال رأس المال والبشر والخدمات، بدأت تشعر بقلق من المنافسة الصينية، وفى نفس الوقت عادت روسيا لتمثل قوة تأثير سياسى واقتصادى فى السياسات الدولية.
تجربتا روسيا والصين، تشيران إلى نماذج للتحول تختلف عن النموذج الغربى، يمكنهما منافسته، سياسيا فى نموذج روسيا واقتصاديا على الطريقة الصينية، مع فصل للسياسة عن الإدارة، حيث يمكن تحسين حياة المجتمع ونقله من التأخر إلى التقدم والمنافسة.
الصين أصبحت تمثل منافسا للولايات المتحدة، بل إنها ترفع رايات تكتلات اقتصادية، تؤثر على تكتلات تقليدية، لدرجة أن أوربا بالرغم من التوجس فى مبادرة الطريق والحزام الصينية، اضطرت للمشاركة. أوربا تواجه اختبارا خطرا بخروج بريطانيا، واحتمالات اتساع شروخ الاتحاد الأوربى، ودعوات للخروج، وهو ما تدركه الصين، وهى تتحرك فى كل الاتجاهات، وتعيد إحياء مجدا قديما بقواعد حديثة، لم تتوقف الصين عند أساطير الإمبراطوريات القديمة، وهو درس لكل من يعيش على ماض من دون قواعد للتطور.
شكل العالم كله يتغير، وتتحول أشكال السلطة فى العالم، وتتغير مراكز التأثير، بما يشير إلى عالم جديد، يختلف عما كان يبدو فى تسعينيات القرن العشرين، والحرب الباردة هذه المرة اقتصادية وتجارية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة