بداية، القرآن الكريم ذكر 25 نبيا، لكن هناك عددا آخر، لم يذكرهم، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى فى سورة غافر: «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون».. صدق الله العظيم.
وأرسل الله تعالى رسلا إلى كل أمة من الأمم، وقد ذكر أنهم متتابعون، الرسول يتبعه الرسول، وقال سبحانه وتعالى فى صورة المؤمنون: «ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون».. كما قال المولى عز وجل فى سورة فاطر: «إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير».
إذن هناك رسلُ لم يذكرهم القرآن، وحسب بعض الأحاديث الصحيحة، الواردة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عددهم كبير، ففى مسند الإمام أحمد عن أبى ذر رضى الله عنه قال، قلت يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: «ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا»، وفى رواية أبى أمامة قال أبو ذر، قلت يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جما غفيرا».
لذلك فإن بعض العلماء والباحثين فى علم الأديان، جنحوا إلى الظن ببعض الشخصيات التاريخية، أنهم أنبياء لم يذكرهم القرآن، وتنطبق عليهم المعايير التى تنطبق على الأنبياء والرسل المذكورين، مع الوضع فى الاعتبار أن علم الأديان، عبارة عن دراسة علمية وموضوعية تتناول ديانات العالم الماضية والحاضرة، تتوخى معرفة الديانات فى ذاتها، واكتشاف نقاط التشابه والاختلاف، فيما بينها، مع ضرورة الاستعانة بالتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع.
من بين هؤلاء، الملك أمنحوتب الرابع، الملقب بـ«إخناتون» وهو أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، تأسيسا على أن ما من نبى أو رسول، يحمل ديانة جديدة، يبشر بها بين قومه، إلا وتعرض للاضطهاد، ثم يهاجر إلى مكان أخر، ليؤسس مدينة جديدة، تنطلق منها رسالته.
وإخناتون، وفى العام السابع من حكمه، بشر بديانة جديدة تدعو للتوحيد وعبادة الإله «أتون»، منقلبًا على «أبوالآلهة» حينذاك «أمون رع»، مما دفع الكهنة إلى الوقوف ضده بقوة، مستخدمين نفوذهم، لمنع التبشير بهذه الديانة، واضطهاد أتباعها، وتضييق الخناق عليهم، ولم يجد «إخناتون» سبيلًا أمام الحرب الضروس ضده سوى الهجرة من طيبة «الأقصر» جنوبًا إلى «تل العمارنة» بالمنيا شمالًا.
وبمجرد أن وصل تل العمارنة، أسس معبد الشمس، لعبادة إله واحد «أتون رع»، ثم ولأول مرة فى تاريخ المصريين القدماء، منذ الأسرة الأولى، يسمح ملكا ببناء بيوتا للفقراء لتجاور قصور الملوك والأمراء والنبلاء، فى رسالة مساواة بين العباد.
وزهد إخناتون، الحكم، وظل يتعبد فى معابد الشمس، تاركًا إدارة شأن البلاد داخليًا وخارجيًا يقتسمها رجال بلاط قصره مع والدته الملكة «تى»، فتشتت القرارات وتقسمت مصر داخليًا ما بين كهنة «أمون رع»، الذين حكموا طيبة فى الجنوب، والملك الشرعى الذى انشغل بفلسفته الخاصة وإصلاحاته الدينية، ومصر كانت حينها إمبراطورية ممتدة من أعالى النيل والنوبة جنوبًا، وبابل وبلاد الشام آسيويًا.
ولم يستجب «إخناتون» للرسائل التى بعث بها إليه حكام الإمارات الآسيوية فيما أطلق عليها رسائل «تل العمارنة»، التى تعد أرشيفًا ملكيًا رائعًا يؤرخ لمرحلة تاريخية هى الأبرز من تاريخ مصر، ومكتوبة بالخط المسمارى، يستجدى الأمراء فيها الملك بسرعة التحرك، وإرسال جيش مصر القوى لإخراس الأصوات التى تنادى بالانفصال عن جسد مصر العظيم دون مجيب، وزاهدا فى المُلك والمجد.
التبشير بالديانة الجديدة، وجوهرها وفلسفتها الرامية للتوحيد، وأن هناك إله واحد يمنح الحياة للبشر والنباتات والحيوانات، وكل الكائنات الحية، ثم تعرضه للاضطهاد، وقرار الهجرة فى جنح الليل، وعند وصوله بنى معبدا، ثم مدينة قائمة على العدل والمساواة، وأخيرا، الزهد فى الحكم والمُلك، كلها أسباب دفعت للتأكيد أنها علامات بارزة للنبوة، ومن ثم ربما يكون إخناتون نبى، من الأنبياء الذين لم يذكرهم القرآن.. والله أعلى وأعلم..!!
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية..!!