فجأة، أطلقت مجموعة مجهولة صاروخ كاتيوشا باتجاه السفارة الأمريكية فى بغداد، صحيح الصاروخ لم يصل إلى هدفه ولم تنتج عنه أية خسائر بشرية أو مادية إلا أنه فتح فصلا جديدا فى الحرب النفسية المتأججة بين الولايات المتحدة وإيران التى بدأت فصولها بنشر واشنطن قوات إضافية بمنطقة الخليج، مع استنفار الأسطول الخامس وإجراء مناورات بحرية بمشاركة الدول الخليجية.
الصاروخ الرمزى الذى تم إطلاقه باتجاه المنطقة الخضراء الأكثر تحصينا فى العراق التى تشرف عليها القوات الأمريكية، أظهر ما كان معروفا من قبل، أن إيران تهيمن على العراق ولديها ميليشيات وعناصر انتحارية يمكن أن تكلفها بمهام تدميرية ضد القوات الأمريكية هناك أو ضد الدول العربية المجاورة، ورأينا خلال الأيام الماضية كيف شنت مجموعات قيل إنها تابعة لإيران هجمات إرهابية على ناقلات النفط والسفن التجارية فى ميناء الشارقة، الأمر الذى يأتى فى إطار الرد المحسوب على التصعيد الأمريكى فى منطقة الخليج.
وما بين التصعيد الأمريكى المحسوب فى الحرب النفسية المعلنة ضد إيران والرد الإيرانى المحسوب أيضا فى تلك الحرب، يضع محللون أيديهم على قلوبهم، من أى خطأ فى الحسابات خلال تلك الحرب، كأن يتصرف أحد الجنرالات بحماسة فى هذا الجانب أو ذاك، أو يتطور الرد المحسوب على تصعيد محسوب إلى رد متهور فتشتعل منطقة مهيأة للاشتعال منذ أسابيع.
مسؤول عسكرى أمريكى ردا على إطلاق الكاتيوشا باتجاه المنطقة الخضراء شديدة التحصين، قال بتأكيد حاسم إنهم لن يتساهلوا مع إيران على مثل هذا التصرف الأحمق، أيا كانت الميليشيا أو المجموعة التى وراء إطلاقه، لأنهم يعرفون أنها تابعة لطهران، وزاد على ذلك بأن إيران ستدفع ثمن أى تهور على الأراضى العراقية.
ترامب لم يدع حادث الصاروخ يمر دون تعليق على طريقته، فكتب على تويتر مخاطبا ملالى طهران: «الحرب ستؤدى إلى نهايتكم.. أحذركم من تهديد الولايات المتحدة مرة أخرة»، لكنه عاد وأعلن فى تصريحات تلفزيونية فى اليوم نفسه: «أنا لا أريد الحرب مع إيران.. لكن لدى مواقف ثابتة منها.. من ضمنها أنه لا يمكننا السماح لها بامتلاك أسلحة نووية.. لن نسمح بحدوث ذلك»، وأضاف ردا على سؤال حول اتجاهه للحرب: «آمل ألا يحدث ذلك، النظام الإيرانى أصبح مرهقا بسبب العقوبات الاقتصادية الموقعة ضده»، لافتا إلى أن الحرب ستؤدى لمزيد من الدمار للاقتصاد، لكننى أحث الإيرانيين إلى القدوم لطاولة المفاوضات بدلا من مواصلة محاولتهم الانتقام من بلادى».
هل يريد ترامب أن يتصل الإيرانيون على رقمه الخاص الذى تركه لدى السويسريين؟ وهل يريد التوصل إلى اتفاق جديد حول النشاط النووى الإيرانى يحسب له بدلا من سلفه باراك أوباما؟ وفى الوقت نفسه، يحصل على العوائد الضخمة وكلفة انتشار قواته فى دول الخليج؟
إذا كان ترامب وإدارته يغزلون مواقفهم السياسية فى الخليج على هذا النحو، فمن يضمن مع عملية عض الأصابع الجارية على الأرض ألا يحترق الغزل كله بفعل ضربة عشوائية هنا أو موقف مبالغ فيه هناك؟ ومن يدفع ثمن إشعال المنطقة بالمصادفة البحتة رغم إعلان كل الأطراف الذين يرصفون المواد الأكثر اشتعالا جوار بعضها، أنهم لا يريدون الحرب؟
سؤال سيظل مفتوحا إلى أن تنهى واشنطن وطهران مشاكلهما العالقة ويجريان تسوية، أظن أننا العرب سندفع ثمنها غاليا أيضا!