كل عام وأنتم طيبون، بدأ موسم الثانوية العامة بأعراضه المعروفة من ارتفاع شحنات الكهرباء فى البيوت المصرية، وارتفاع ضغط الدم لدى أولياء الأمور، مع الاستعداد لبيع عفش البيت للوفاء بالتزامات الدروس الخصوصية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
موسم الثانوية العامة الحالى يبدو مختلفا عن كثير من المواسم السابقة، فهو واحد من ثلاثة مواسم تمثل ختام مرحلة وبداية مرحلة جديدة تماما من التعليم التفاعلى البحثى الذى بدأ تطبيقه على الصف الأول الثانوى العام ، يتعامل فيها الطالب مع المقررات البحثية والتعليمية من مصادرها فى العالم كله، ولا يكون مضطرا للتعامل مع الدروس الخصوصية التى تقوم على وجود منهج ثابت وأسئلة محفوظة وطريقة واحدة فى جلب المعلومة، كما أن الموسم الحالى للثانوية العامة يأتى بعد توجيه ضربات ساحقة لصفحات الغش والغشاشين التى كانت تبث من الخارج لنشر البلبلة والفتنة فى المجتمع، اعتمادا على مساندة ومعاونة من بعض الموظفين الإخوان فى مفاصل وزارة التعليم، والحمد لله تم اكتشافهم وإبعادهم وضرب صفحات الغش فى مقتل فلم يعد لديها إلا التهويش والتهديد ببث الامتحانات تارة على «فيس بوك» وتارة على «واتس آب».
كما تحولت بعض صفحات الغش ومنها جروبات «الثانوية العامة» و«كلنا إيد واحدة فى الثانوية العامة» وغيرها، إلى وسيلة للنصب على المواطنين الغلابة والطلاب غير المجتهدين، بطلب مبالغ مالية محددة مقابل سماعة أذن صغيرة لا ترى، يتم من خلال زرعها بالأذن استقبال إجابات الامتحانات، كما يزعم الغشاشون، وآخر سعر لهذه السماعة بلغ أربعة آلاف وخمسمائة جنيه، وهناك من المغفلين والواهمين من يدفعون للنصابين قبل أن يكتشفوا أنهم ضحايا طمعهم ومحاولاتهم الغش والنجاح بالزور.
والملاحظ فى صفحات الغش أنها تظهر تحت عناوين لافتة، وتحاول إضفاء صبغة ثورية على ما تفعل، كما تسعى لتبرير جرائمها بأنها تسعى إلى إصلاح أحوال التعليم، والانحياز إلى صفوف المعلمين المقهورين الذين لا يحصلون على حقوقهم من الدولة، أو مساعدة الطلاب الغلابة المطحونين فى الدروس الخصوصية والمضغوطين فى المذاكرة طوال العام، إلى آخر هذه التبريرات ذات الطابع السياسى والاجتماعى، والتى لا يمكن أن تخرج عن طلاب أفراد أو حتى معلمين أفراد قرروا الانحراف برسالتهم التعليمية السامية، وتقمص دور الشيطان الرجيم الذى يحض البشر على الفساد والعصيان!
من ناحيتها، رفعت وزارة التعليم حالة الطوارئ أمنيا وتنظيميا وفنيا، فعلى المستوى الأمنى صدر القرار الوزارى 34 لسنة 2018 لتنظيم أحوال إلغاء الامتحانات والحرمان منها، وتغليظ العقوبات الخاصة بالغش أو الشروع فيه من خلال نشر أو إذاعة أو ترويج أسئلة الامتحانات، حيث يعرض الطالب المتهم نفسه للعقوبة بالحبس مدة لا تقل عن عامين وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه.
وعلى المستوى الفنى، تم اعتماد نظام البوكليت الذى أثبت استحالة تزويره أو نشره كاملا بغرض التسريب والغش، والاستعانة بالأجهزة السيادية فى طباعة وتأمين ونقل أوراق الامتحانات إلى اللجان المختلفة، وزيادة الاستعدادات الخاصة بالكشف عن الموبايلات فى لجان الامتحانات وتركيب كاميرات مراقبة فى اللجان، لمتابعة سير الامتحانات، بالإضافة إلى تشكيل فرق خاصة لمواجهة الغش الإلكترونى على مواقع التواصل الاجتماعى.
وفى المقابل فشلت شاومينج وأخواتها من صفحات الغش التى تبث مادتها من خارج البلاد، اعتمادا على الخلايا النائمة بالداخل، فى بث أو تسريب أسئلة الامتحانات فور توزيعها على الطلاب، ولا ندرى كيف يمكن تصوير وبث أسئلة الامتحان بنظام البوكليت الاختيارى التى يتميز بكثرة الأسئلة وعدم اعتمادها المباشرة والإجابات التقليدية، وإنما تعتمد فى الحل على استيعاب الطالب للمنهج والمعلومات، وكذا قدرته على التعبير بأسلوبه الخاص أو اختياره الإجابة الصحيحة من بين اختيارات لكشف مدى استيعابه وتحصيله.
ويمكننا القول الآن، إن تطوير نظام الثانوية العامة أصبح أمرا واقعا، وكلها سنة واحدة ليصبح طلاب الصف الأول الثانوى الذين أدوا امتحانات التابلت وانتقلوا للصف الثانى باكورة طلاب الثانوية العامة التفاعلية الجديدة ، لتتحول الثانوية العامة من مصدر للرعب والهم لملايين العائلات المصرية كل عام إلى مجرد محطة مهمة فى حياة طلابنا عليهم أن يفكروا فيها جيدا، وأن يختاروا ما يناسبهم من التعليم أو الانخراط فى الحياة العملية، ولم يكن ممكنا لنا أن نثق فى إمكانية نجاح هذا التطوير المنشود لو لم يتم قهر صفحات الغش واستحداث نظام محكم لوضع الأسئلة وتنظيم لجان الامتحانات والكنترولات، بحيث لا يتم استغلال هذا الحدث المهم لترويع ملايين المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة