حينما صاغ لنا عالم الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان "شخصية مصر" خلال موسوعته الشهيرة، كان حريصًا على رصد أهم جوانب الشخصية المصرية، سواء السلبية منها أم الإيجابية، فهو عرف أن الجغرافيا هى السبيل الوحيد أمام الإنسان ليعرف وطنه ويرى جماله ويدرك أسراره، ويتصدى للأخطار القادمة من العالم الخارجى عن حدودنا، كما كان يرى أن ما مر على مصر طوال تاريخها هو امتزاج على الشخصية المصرية، وهذا الامتزاج تعرض على عوامل مساعدة، فالإنسان المصرى يشبه وجه مصر جغرافيًا والإنسان المصرى تأثر بموقع مصر، وجغرافيا مصر تأثرت بالإنسان المصرى.
ما بين وجهة نظر الدكتور جمال حمدان خيط رفيع وهو أن الإنسان المصرى مهما طرأت عليه تغييرات بسبب عوامل الطبيعة أو ضيق ذات اليد على خلفية أوضاعه الاقتصادية السيئة، إلا أنه حينما تظهر مخاطر تستهدف النيل من كرامته أو كرامة بلده، ستجده على الفور يستيقظ ويختار صف وطنه ضد الأسهم السامة التى تأتى من شخوص وبلدان لم يعرفون المعنى الحقيقى لفكرة وطن نعيش فيه كشخص واحد، ويظهر المعدن الأصيل للجميع وقت المحن ولحظة وجود مخاطر من مغتصب لأرض ويقفون بقوة ضد من يحاولون بث روح الفتنة بين صفوفنا.
لعل ما يحاول فعله اللجان الإليكترونية التابعة للنظام الحاكم فى دويلة قطر وأتباعها من جماعة الإخوان الإرهابية، فى محاولة النيل من استقرار المنتخب الوطنى المصرى خلال مشاركته فى بطولة كأس الأمم الأفريقية فى نسختها 32 والمقامة حاليًا على أراضى المحروسة، لن يغنى أو يسمن من جوع، والدليل على ذلك رد الفعل السريع من جانب المصريين على المحاولات المغرضة من هؤلاء لاستغلال واقعة عمرو وردة الأخيرة مع "السوشيال ميديا"، حيث وقفوا مع ولادنا فى المنتخب بعد زيادة حدة الهجوم الممنهج ضدهم بهدف التشتيت قبل المباريات المقبلة لهم، بالإضافة محاولات التشويش على النجاح الباهر لمصر فى التنظيم الرائع للبطولة بإشادة كبيرة من كل بلدان العالم والمنتخبات المشاركة.
هذه اللجان الإليكترونية تنتهج نفس منهج الغباء لجماعة الإخوان بعد أن حاولوا اقتحام المجال الرياضى فى السابق عن طريق المنتمين لأفكار الجماعة مثل محمد أبوتريكة، وغيرهم من الرياضيين الآخرين، فضلاً عن محاولات استقطاب الألتراس بتمويلهم مادياً حتى يضمن ولاءهم، إلا أنهم فشلوا لأنهم تناسوا أن القطاع الرياضى كبير ويوجد إناس يحبون البلد وسيتصدون لهذه المخططات، فالرهان على أشخاص بأعينهم لن يكون عنوانا لنجاح مخططاتهم أبدًا، وهذا ما حدث فعلاً على أرض الواقع بعد أن عادت شمس مصر تسطع من جديد فى كل المجالات ومنها قطاع الرياضة، ولعل الانجاز الكبير الذى حققناه بعد أن قلبنا التحدى ووافقنا على استضافة أمم أفريقيا عقب سحبها من الكاميرون، حيث خرج المشهد بهذه الصورة المشرفة فى 4 أشهر فقط بشهادات دولية.
بعيداً عن خطأ عمرو وردة فى هذه القضية، فلا يحق لهؤلاء التدخل على خط الأزمة لأنه شأن داخلى، كما أن تعاطف محمد صلاح ومعه باقى زملائه فى المنتخب أعتقد أنه لا يدينهم فهذه وجهة نظرهم بأن اللاعب يستحق فرصة أخيرة لمعالجة أخطائه، وهنا يجب علينا احترام وجهات نظر الآخرين حتى وإن كانت ضد وجهة نظرنا، هذا هو المفهوم الصحيح للديمقراطية التى ينادى بها الكثير.
لكن لا أستغرب هنا،إذا كانت هذه المحاولات قادمة من كتائب تميم الإلكترونية، فهم لا يعرفون يعنى إيه وطن؟..فهم ينادون بالحرية والديمقراطية ولا يفعلون ذلك فى بلدهم.. فهم يتحدثون عن منتخب صناعة محلية 100%، ويتناسون أن منتخبهم "مجنس" بمجموعة لاعبين من بلدان العالم يلعبون من أجل حفنة دولارات فقط، فالآمر لا يتعلق بحاضر وإنما بالتاريخ القديم، حيث أن الأسطورة تقول: " ما من أمة إلا وتاريخها باعث حاضرها وأصل وجوده"، وهو ما يفرق مصر عن أى بلد آخر، فمهما مرت علينا أزمات ستجدنا "إيد واحد"، كما يقولون، وقت ظهور محاولات مغرضة ضد بلدنا.
قديماً، ذكر المؤرخ ابن خلدون أن أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح والخفة والغفلة عن العواقب، ربما كان يقصد وفقا لتفسيرات العديد من المؤرخين أنه يرى المصريين كانوا يحكمون بواسطة حكام أجانب معظم مراحل تاريخهم، وكانوا يقبلون ذلك سماحة أو طيبة، لكن حينما كانت تشتد بهم الخطوب نتيجة ظلم الحاكم الأجنبى المستبد كانوا يستعينون بالنكات اللاذعة والسخرية لتخفيف إحساسهم بالمرارة مما يعانون، حتى يستطيعون فى النهاية إلى التغلب عليه، ومن هنا فإن سلاح السخرية الذى يستخدمه المصريين حاليًا ليس وليد اللحظة وإنما هى جينات تتوارث، فما أن ظهرت اللجان الإرهابية للتشويش على النجاح الباهر فى حفل افتتاح "كان 2019"، إلا أننا وقفنا بالمرصاد لتلك المحاولات بنجاح كبير ولقطات ضاحكة أصابتهم بالحقد أكثر وأكثر، كما أن المنتخبات العربية المشاركة فى البطولة تلقى تشجيع كبير من جماهير الكرة المصرية، خصوصا أنه منذ وصول بعثات هذه المنتخبات إلى أرض المحروسة والترحيب الشديد هو اللغة السائدة، فكان المنظر شديد الرقى فى مدرجات المباريات التى يكون طرفها الجزائر أو المغرب أو تونس أو موريتانيا، ويؤكد أن الرياضة لها دور مهم جداً فى توحيد الشعوب العربية، فقد أصابت هذه المشاهد جنونهم أكثر وأكثر أيضًا.
المطلوب الآن، هو تكاتف القنوات الفضائية والصحف وتحديداَ ذات الصبغة الرياضية من أجل الوقوف بجانب المصريين من رواد مواقع التواصل الاجتماعى فى حرب التصدى للمخططات القطرية التى تتفنن فى نشر "تويتات" مُغرضة ضد منتخبنا الوطنى وتنظيم البطولة، فيجب دعم اللاعبين بقوة بحثاً عن حصد اللقب للمرة الثامنة فى تاريخنا الكبير المليء بالانجازات المشرفة.
"نحن نتنفس انتماء، وهم لا يعرفون يعنى إيه انتماء.. نحن نعشق بلدنا حتى آخر قطرة دماء، وهم لا يوجد عندهم دماء ليعرفوا يعنى إيه وطن".. هى ده الحكاية باختصار
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة