قبل أسبوعين وبالتحديد منتصف مايو الجاري 2019 وردت رسالة من الدوحة لمسئول قطري كبير في باريس.. الرسالة عبارة عن توبيخ من المسئولين القطريين للرجل لعدم قيامه بعمله جيدا واقتصار ما يقوم به على حفلات الكوكتيل في الوقت الذي تنحدر كرة الثلج الخاصة بفضائح الدوحة بسرعة كبيرة وتتضخم كثيرا في طريقها للانحدار.. وذكرت الرسالة بالتحديد تأثير تلك البروباجندا السيئة التي خلفها كتاب "أوراق قطرية" للصحفيين الفرنسيين جورج مالبورنو وكريستيان شينو ، وكذلك وقوع أحد المسئولين القطريين المهمين في قبضة رجال الأمن في فرنسا متهما بالفساد.
وقعت الرسالة كالصاعقة على الرجل خاصة عندما طلبوا منه الإجابة على السؤال: لماذا كانت أول مقابلة لجورج مالبورنو مؤلف كتاب "أوراق قطرية" مع عبد الرحيم علي مؤسس ورئيس مركز سيمو للدراسات وتساءلت الرسالة عن مدى نفوذ "علي" ومركز سيمو في فرنسا.
وعلى الفور تحرك الرجل فاجتمع بنبيل الناصري رجل قطر في باريس، الحقيقة أن القطريين كانوا قد ابتعدوا عن الاتصال بنبيل الناصري بشكل علني وحظروا عليه الظهور في اي تجمع ترعاه الدوحة رسميا نظرا لعلاقته الوثيقة بالتنظيم الدولي للإخوان إلا أنهم اضطروا لذلك الاتصال نظرا للعلاقة الوثيقة بين الناصري ونيكولا بو رئيس تحرير لموند افريك.
لذا فليس غريبا أن يأتي الهجوم على مركز سيمو بدون مناسبة، فالمركز لم يقم بأي نشاط خلال شهرين على الأقل، مكتفيا فقط بحملات طرق الأبواب التي بدأناها قبل عامين، وكشفنا خلالها النقاب عن الدور القطري في فرنسا، وماذا يفعل التنظيم الدولي للإخوان في البلد الأكثر علمانية في أوروبا .
أزعجت بالطبع تلك التحركات رجال قطر في باريس، فبدأوا يتحركون ضدنا لكنهم نظرا لفجائية الحركة ووصول التعليمات من الدوحة بشكل مربك.
حدثت عدة أخطاء كبرى نوردها فيما يلي:
أولا : استدعاء مواقف قديمة واعادة انتقادها بشكل انتقائي كالمؤتمر الصحفي المشترك الذي عقدته قبل عام في مايو2018 تحت قبة الجمعية الوطنية الفرنسية مع السيدة النائبة المحترمة مارين لوبن وتحدثت فيه عن خطر الوجود الاخواني المدعوم قطريا في فرنسا.
ثانيا: إعادة ترديد مقولات تم الرد عليها مرارا وتكرارا من قبيل أنني مهووس بفكرة المؤامرة، وأنني معاد للسامية دون تقديم أي دلائل على ذلك.
ثالثا: المقالات التي تحدث عنها موقع لوموند افريك ونشرها سيمو لنيكولا بو بدأت بموافقة منه في 7 أكتوبر 2017 عند زيارته لي في مكتبي، وكانت الأعداد الورقية تصل إليه شهريا.
رابعا: المقالات كانت تنشر على الموقع وكان يطلع عليها بشكل دوري، وأرسل أثناء تلك الفترة لنا عدة إيميلات نشرنا بعضها في الحلقة السابقة، لم يعترض في واحد منها على نشر مقالاته.
خامسا: في يوم 17 مايو 2019 فوجئ الدكتور أحمد يوسف زميلي في المركز باتصال أعقبه رسالة صوتية من نيكولا بو، يطلب فيها حذف مقالاته المنشورة على موقع المرجع التابع لمركز سيمو دون إبداء الأسباب، على الرغم من إننا نرسل له مقالاته المنشورة لدينا تباعا طوال عام ونصف العام منذ أكتوبر 2017، وحتى آخر مقال نشر له في المرجع أكتوبر 2018 .
فماذا حدث بين أكتوبر 2017 ومايو 2019 دفع نيكولا بو لكي يأخذ ذلك الموقف من سيمو؟!.
هذا ما سوف نحاول أن نجيب عليه في تلك الحلقات، ولكن قبل الإجابة علينا ان نطلع على رؤية نيكولا بو رئيس تحرير موقع لوموند افريك في الخطر الذي تمثله قطر على بلاده فرنسا، قبل أن يتحول بالطبع 180 درجة فلا يرى لهم، الآن، ولا لحلفائهم من التظيم الدولي للإخوان أى ضرر على بلاده:
محاولات الاستحواذ :
توقف نيكولا بو في كتابة "قطر القبيحة" عند حجم الاستثمارات القطرية الهائلة في فرنسا، واعتبر أن القادة القطريين اشتروا معظم رجال السياسة وأغروا الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند بتلك الاستثمارات، ووظفوا وزير الخارجية السابق دومينيك دوفيلبان محامياً عندهم، ويشير بالمقابل إلى بداية الغضب الفرنسي الفعلي من قطر بسبب اكتشاف شبكات خطيرة من التمويل القطري للجهاديين والإرهابيين في مالي ودول أخرى.
واعتبر بو أن شبكة هائلة من المصالح جعلت قطر تسيطر على القرار الفرنسي آنذاك ٢٠١٣ وتشتري تقريباً كل شيء، بما في ذلك مؤسسة الفرنكوفونية، اضافة الى عدد كبير من المصانع والعقارات وفرق رياضة، أغضبت الفرنسيين وأثارت مخاوفهم من محاولات الاستحواذ القطري.
قطر والإرهاب :
لم يقف نيكولا بو في كتابه " قطر القبيحة" عند كشف محاولات ادوحة الاستحواذ على القرار السياسي او التأثير عليه داخل فرنسا وانما امتد الى محاولات قطر تفتيت وحدة الدول وتدميرها عبر استخدام آليات الارهاب ودعم تنظيماته.
فيروي بو في كتابة أنه مع بداية الربيع السوري، أغمضت الأسرة الدولية عيونها عن البواخر المحملة بالسلاح من قطر وليبيا، بعد سقوط حكم العقيد، عبر لبنان إلى سوريا، ولكن عمليات التهريب هذه ازدادت على نحو أقلق الموساد الإسرائيلي، فأسرع إلى إبلاغ قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني، وهكذا تم توقيف باخرة تدعى "لطف الله" في 27 إبريل/نيسان العام 2012 في البحر، وكان ذلك إنذاراً للدوحة لكي تكون أكثر سرية في عملياتها ولتخفف من دعمها للجهاديين.
و اكتشف الجميع ابانها أن قطر ساعدت هؤلاء الجهاديين أيضاً بمستشارين، كان من بينهم عبدالكريم بلحاج القيادي القاعدي السابق، الذي أصبح لاحقاً أحد المسؤولين السياسيين في ليبيا، حسب الكتاب.
وتحويل ليبيا إلى جحيم:
ويوثق نيكولا بو في كتابه، الذي ربما يدفع مليون يورو لمن يخفيه من الاسواق، لعملية تمويل قطر للإرهابيين من اجل تخريب سورية، ويفضح المستشارين الذين كان من ضمنهم عبدالكريم بلحاج القيادي في تنظيم القاعدة الإرهابي ـ سابقا ـ والذي أصبح فيما بعد أحد المسؤولين السياسيين في ليبيا.
ويعرّج الكتاب على كيفية احتلال ليبيا وقتل العقيد معمر القذافي وإثارة الشكوك حول مقتل ثلاث شخصيات من المطلعين على أسرار دعم القذافي للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالأموال وغيره وبينهم مثلا وزير النفط السابق ـ شكري غانم الذي قيل إنه مات غرقا في سويسرا.
ويوضح الكتاب أن مصالح مالية هائلة كانت وراء ضرب ليبيا وبينها الودائع الكبيرة للقذافي في قطر، كما كان وراءه أيضا رغبة قطر في احتلال مواقع العقيد في أفريقيا حيث مدت خيوطها المالية والسياسية والأمنية تحت ذرائع المساعدات الإنسانية.
بداية التحول:
بداية تحول نيكولا بو من ناقد شديد للدور القطري في فرنسا الى مدافع صلب عن سياساتهم ومهاجما لخصومهم، كانت في يناير 2018 عندما نشر مقالا عنوانه "الحملة الصليبية ضد قطر التي يقوم بها الشيخ الشالغومي" وانتقد فيها ما يقوم به الشيخ حسن الشالغومي ضد قطر مدعيا أن ذلك يأتي في نطاق الحرب التي تخوضها السعودية والإمارات ضد الدوحة.
كان مقاله عن حسن شلغومي مغادلة من بعيد وعربون صداقة للدولة التي ظل يحارب سياساتها اربعة اعوام متتالية ، دون جدوى للأسف، وربما هذا ما دفعه دفعا لتغيير وجهته تماما فبدأ منذ منتصف عام ٢٠١٨ تبني السياسة القطرية بالكامل والدفاع عنها فنشر منذ ذلك التاريخ 8 مقالات جميعها تدافع عن الدوحة وسياستها.
الغريب ايضا انه قام بحذف العديد من المقالات التي كلنت تهاجم قطر قبل هذا التاريخ.
مصر والإمارات:
ولانه أخذ مسارة في الانحياز الكامل للسياسة القطرية فقد بدأ في الهجوم على مصر وقيادتها في مارس ٢٠١٨ ومنذ ذلك التاريخ نشر الرجل في موقع لوموند افريك 14 مقالا عن مصر جاءت جلها في اطار الهجوم الغير مبرر واتهام النظام بالديكتاتورية وكأنه صحى فجأة عام ٢٠١٨ ليجد نفسه امام نظام ديكتاتوري في مصر.
ولم تسلم الإمارات من هجومه فقد اتهمها، زورا وبهتانا، في نوفمبر 2018 بالتخطيط لانقلاب عسكري في تونس بمساعدة من وزير داخليتها الاسبق.
الأمر الذى دعى وزير داخلية تونس الاسبق لطفي براهم الى اقامة دعوى امام القضاء يتهم فيها نيكولا بو باستلام مبالغ نقدية من قطر وصلت الى ٧٠٠ ألف يورو مقابل تحسين صورة الامارة والكف عن مهاجمتها.
وفي 4 أبريل 2019 كتب بو مقال على موقع موند أفريك يحاول فيه الدفاع عن نفسه ضد اتهامات وزير الداخلية التونسي له.
هذا في الوقت الذي أعلن فيه لطفي براهم أنه قدم قضية ضد كل من سيكشف عنه البحث في الترويج لاتهامه ''بمحاولة الانقلاب''، قائلا "قدمت قضية ضد رئيس مكتب الجزيرة في تونس وضد الصحفي الفرنسي نيكولا بو". وقال براهم "جئت اليوم لتوضيح موضوع الانقلاب، التهمة خطيرة وتجاوزت كل الحدود، ومن طبعي لا أحب الظهور.. نحن أناس نعمل في صمت ولا نتحدث كثيرا".
واتهم الوزير التونسي نيكولا بو بأنه يتقاضى أموالا من قطر لكي يدافع عنها ويحسن من صورتها.
لماذا الغيت ندوة المدرسة الحربية؟!
قال محرروا موقع موند افريك في ختام مقالهم الذي خصصوه لمهاجمتي
"ولا عجب أن نرى المدرسة الحربية الفرنسية قامت بإلغاء ندوة لعبدالرحيم علي كان مقررا عقدها في نوفمبر 2018". في محاولة لاثبات كافة الاكاذيب التي ساقوها والتي سوف نعلن عمن يقف ورائها وورائهم في الحلقة الاخيرة من هذه السلسلة من المقالات.
وانا هنا احيل "نيكولا بو" الى صديقه "ريشار لابيفير" الخبير في مجال الارهاب والذي كان واحدا من المنظمين لتلك الندوة والمشاركين فيها، ليشرح لمحرروا موقع "موند افريك" لماذا الغيت ندوة المدرسة الحربية.
يقول لابيفيير في مقاله المنشور في ١٢ نوفمبر ٢٠١٨ في موقع "المرصد الجيو استراتيجي".
"كان من المقرر عقد ندوة بعنوان "الفاعلون الجدد في مجال مكافحة الإرهاب" في المدرسة الحربية الفرنسية في 22 نوفمبر الجاري ( يقصد ٢٠١٨). وقد تم تنظيم هذا اليوم الواعد على شكل ثلاث ندوات أو طاولات مستديرة.
الأولى عنوانها: "على جبهة العدالة" وكان مفترضا أن تجمع قاضيَيْن سابقَيْن في مجال مكافحة الإرهاب،هما جان لوي بروغيير وميشال ديباك، وأن تجمع الندوة الثانية "على الجبهة الاستخباراتية" بين برنار سكوارسيني، الرئيس السابق للمديرية المركزية للمخابرات الداخلية (DCRI) وآلان شويت، الرئيس السابق لمصلحة الاستخبارات الأمنية في جهاز الاستخبارات الخارجية DGSE، وأن تجمع الثالثة "على الجبهة العسكرية"، النائب البرلماني والباحث المصري عبد الرحيم علي، والجنرال جان برنار بيناتيل، وكلاهما خبيران في الاستراتيجيات المتعلقة بمكافحة اﻹرﻫﺎب.
على أن يتولى إلقاء كلمة المحصلة النهائية لهذا اليوم ألان جويليه، المستشار السابق للاستخبارات لدى رئيس الوزراء الفرنسي".
ويضيف لابيفيير "فماذا حدث بالضبط؟ ويجيب : "لقد صدر أمر بإلغاء هذا الملتقى مباشرة من أحد المستشارين في مكتب رئيس الوزراء. وقد تم إبلاغ القرار إلى كبار المسؤولين في المدرسة الحربية دون ابداء اية اسباب، فقط طلب منهم الإلغاء الكامل للملتقى. لذا فقد كنّا معنيين بإجراء تحقيق صغير لفهم الآليات التي دفعت الى هذه "الرقابة" الفاضحة، والمثيرة للقلق بخصوص حالة النقاش العام في فرنسا".
ويواصل لابيفيير: "في الواقع، ومنذ أسابيع عدة، كان العديد من أصدقائنا الصحفيين قد أبلغونا بوجود استهداف متكرر ومركّز ضد هذا المؤتمر من قبل مجموعة من النشطاء على "الشبكات الرقمية" التي تسمى "الشبكات الاجتماعية". ولم نفاجئ بأن نجد ضمن هؤلاء نفس المجموعة الصغيرة من "كلاب الحراسة" الذين تمكنوا قبل عام من إلغاء ندوة حول الوضع في سوريا. وقد نُقلت هذه الندوة، التي كان من المقرر إقامتها في متحف السلام بمدينة "كون"، إلى جامعة السوربون، قبل أن يفرض عليها الحظر مجددا، فتقرر نقلها الى مقر "الجمعية الوطنية" (البرلمان). لكن "فتوات تويتر" لم يوقفوا حملتهم، الى أن تم حظر الندوة مرة أخرى في البرلمان، واضطر المنظمون في النهاية الى عقدها في الملاذ الوحيد المتاح لهم، في قاعة تابعة للكنيسة الروسية.
ويتساءل لابيفيير مرة اخرى: "لكن من هم هؤلاء؟! ويجيب بوضوح : "باحث زائف، مهمته حماية المصالح الإسرائيلية في فرنسا، وصحفي مدع كان "رهينة سابق" في سوريا، مما جعله ينصب نفسه كصاحب خبرة لا تضاهى في شؤون أزمات الشرق الأوسط، وواحد من أتباع وزير الخارجية السابق برنار كوشنير، يدير مجلة شبحية لا أحد يقرأها، وجهادي سابق ( في اشارة الى رومان كاييه ) وعدد من نشطاء تويتر الآخرين الأقل شهرة" .
ويكمل لابيفيير:" بفعل ضغوط هؤلاء، يمكن القول أن ديكتاتورية رقمية "ناعمة" تتكرس تدريحيا في فرنسا، لترهيب الإدارات وأجهزة الدولة ... وهذا ليس بالأمر المطمئن على الأطلاق.
انتهى كلام لابيفيير ولنا سؤال: هل في كل ما ذكرة الرجل اي شئ يتعلق بنا كشخص او كمركز، والاجابة بكل ثقة لا.
ولكنه الغرض عندما يتحول الى مرض لدى الذين باعوا ضمائرهم واحترفوا الاكاذيب، فالصقوا بنا ، كذبا وزورا وبهتانا، تهمة اننا كنا السبب في الغاء ندوة الكلية الحربية الفرنسية.
في الحلقة الاخيرة : دعوة للتعقل والحوار البناء
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة