واصل رؤساء وملوك أفريقيا التعبير عن أحزان قارتهم، فى اليوم الثالث لمؤتمر القمة الأول لمنظمة الوحدة الأفريقية بالقاهرة 19 يوليو- مثل هذا اليوم- 1964”.
يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه سنوات الغليان ما قاله الرئيس المالى موديبوكيتا، والزعيم الغانى نكروما، حول ذلك راجع - ذات يوم 18 يوليو.
2019 يكشف هيكل: الرئيس الجزائرى أحمد بن بيلا وجد نفسه يجارى هذه الأصوات المثقلة بالأحزان، فتحدث عن الطريقة التى تصرف بها آخر مقيم فرنسى عام فى الجزائر قبل الاستقلال، ووصل به الأمر إلى حد شحن كل ما كان موجودا فى القصور من تحف وأثاث، حتى حمل معه لمبات الكهرباء التى كانت تضىء مقره، الذى تحول فيما بعد إلى قصر الشعب.
يؤكد هيكل أن الرئيس التنزانى نيريرى تضامن مع هذا الشجن، فوقف يتساءل: هل يعقل أن بلدا مثل بلجيكا يستعمر بلدا مثل الكونجو، وهى أكبر من بلجيكا فى الحجم 77 مرة - مساحة الكونغو 2 مليون و354 ألف كيلو متر مربع، ومساحة بلجيكا 30 ألفا و688 كيلو مترا مربعا، وأضاف نيريرى: الأسوأ من ذلك أن مستعمرة الكونغو كانت من أولها إلى آخرها ملكا شخصيا لليوبولد السادس، من سنة 1876 إلى 1908 وهذا جعله أغنى رجل فى العالم فى زمانه، ومسيطرا على أهم مناجم الذهب والنحاس والماس ومزارع المطاط وتجارة العاج، وأكثر من 5 ملايين كونجولى ماتوا جوعا فى أسر عبوديته.
وحسب هيكل: لم يسكت الرئيس نيريرى عند هذا الحد، وإنما قفز من الماضى إلى الحاضر ليقول: والآن أمامنا فى الكونغو موبوتو، وهو يزعم أن الله قد هداه فرأى النور، ولست مستعدا أن أصدق أن المعجزة التى حدثت للقديس بولس يمكن أن تتكرر مرة أخرى مع الجنرال موبوتو، كان موبوتو رئيسا لأركان الجيش فى الكونغو، ووقف وراء الانقلاب على رئيس الوزراء لومومبا ثم أصبح رئيسا فيما بعد.
أمام حالة التعبير عن هذه الأحزان،قدم البعض اقتراحات جامحة، بوصف هيكل، قائلا: بعض الاقتراحات التى قدمت للمؤتمر كانت جامحة، أو على الأقل سابقة لأوانها، وكان المتحمس الأكبر كالعادة هو الرئيس نكروما الذى طالب بالوحدة الأفريقية فورا هنا والآنÈ، كان اسم مشروعه الولايات المتحدة الأفريقيةÈ، حسبما يذكر أسامة عبدالتواب محمدÈ، فى كتابه - العلاقات بين مصر وغانا-1957 -1966، موضحا أن نكروما قدمه لأول مرة فى الاجتماع التأسيسى لمنظمة الوحدة الأفريقية فى إثيوبيا، مايو 1963، واستند على حجج هى: أن الوحدة العاجلة ستنقذ القارة من خطورة الاستعمار الجديد، أن التنمية الأفريقية لا يمكن تحقيقها إلا على مستوى القارة وبموجب تخطيط قارى، وأنه إذا أقدمت الدول الأجنبية معونات فمن الأجدر أن تقدمها إلى حكومة واحدة لتتولى التنمية فى القارة الأفريقية، وأن إقامة الوحدة الأفريقية الكاملة هى الحل الجذرى الوحيد لتسوية المنازعات على الحدود بين الدول الأفريقية المتجاورة، وأن أفريقيا لن تستطيع أن تجعل من مبدأ عدم الانحياز رابطة مذهبية حقيقية مالم تدافع عن هذا المبدأ وهى فى موقف قوي،وهذه القوى لن تتوافر لها إلا فى ظل الاتحاد، وأن الشعوب الأفريقية تريد الاتحاد، ومستعدة للتضحية.
يؤكد عبدالتواب: لم يكتف نكروما بتقديم أسباب مشروعه، وإنما قدم خطة تفصيلية لتحقيقهÈ، يضيف: تباينت ردود أفعال القادة الأفارقة حول المشروع، فتحمست له دول، ورفضته أخرى خوفا من سيطرة الدول الثورية القوية على الدول الأخرى، يؤكد عبد التواب: عندما بدا أن هناك اختلافا حول مشروع نكروما، تدخل الرئيس عبدالناصر، وألقى كلمة وضح فيها الهدف من الوحدة الأفريقية، والمشكلات والتحديات التى تواجه القارة، وتحدث عن الاستعمار القديم والجديد، واستغلاله للقارة بكل الوسائل، وعن نتائج هذا الاستعمار وآثاره على القارة وشعوبها، وعن أهمية النضال الأفريقى والإرادة الحرة لمواجهة هذا الاستعمار، وتحدث عن التمييز العنصرى وضرورة القضاء عليه فى جميع أنحاء القارة، وعن الغرض من التجمع الأفريقى، وأكد أنه يجب أن تتحد القارة أيا كان شكل هذا الاتحاد، فقال: لتكن جامعة أفريقية.. لتحدد موعدا نهائيا لتصفية الاستعمار.. لنضع مشروعات التعاون الثقافى والعلمى.. لنبدأ فى تنسيق تعاوننا الاقتصادى نحو سوق أفريقية مشتركة.
بعد هذا التأجيل فى مؤتمر تأسيس المنظمة 1963، جدد نكروما طرح مشروعه أمام مؤتمر القاهرة فتجدد الانقسام، يؤكد عبدالتواب: تدخل الرئيس عبدالناصر، وأقنع نكروما أن يؤجل حديثه عن مشروعه حتى الدورة التالية فى 1965، يكشف هيكل: أحس عبدالناصر بالقلق من وقائع جلسات أول يوم للمؤتمر، وفى اليوم التالى وجد أن عليه أن يتكلم مرة أخرى، كان هو بوصفه رئيسا للدولة المضيفة افتتح المؤتمر بكلمة منه، وكان المفروض بعدها أن يترك مجال الكلام فسيحا لغيره، وتسجل محاضر الجلسة الصباحية لليوم الثالث للمؤتمر، 19 يوليو، مثل هذا اليوم، 1964، وكانت جلسة مناقشات مفتوحة، آراؤه فى كل ما أثير، فماذا جاء فيها؟