صدرت مشروع "كلمة" للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبى، ترجمة كتاب "ما وراء الرومنطيقية – كتابات في الفن" للشاعر الفرنسى شارل بودلير، ترجمها عن الفرنسية وقدم لها كاظم جهاد.
مارس بودلير فى هذا المضمار مختلف الأنماط، من متابعة التظاهرة الفرنسية المعروفة المتمثّلة فى المعارض الجماعية السنوية إلى المعرض الدولى الذي أقيم في باريس سنة 1855، فالمعارض الفرديّ، والنّصوص الطويلة المخصّص كل منها لتحليل مسيرة رسام كبير.
ومن نصوص الفئة الأخيرة لمعت في تاريخ النقد الفنى دراستان، الأولى كتبها بودلير في 1863 وتضم ثلاثة عشر فصلاً صغيراً يحلل فيها عمل الرسام الفرنسي كونستانتان جي، والثانية تعرض فهم الشاعر لمسيرة أوجين دولاكروا وفكره وأبرز أعماله، وقد كتبها في 1863 أيضاً، بُعيد وفاة الفنّان بأسابيع.
أما دراسته عن كونستانتان جي فقد نشرها أولاً على حلقات، قبل أن يجمع فصولها الصغيرة فى كتاب منحه عنوان "رسام الحياة الحديثة"، كما ينبئ به العنوان، فمن وراء الفنّان ومن خلاله يتوقّف بودلير عند أهم معالم الحداثة كما تجلت في زمنه، ولقد بقي هذا الكتاب يشكل إلى اليوم أحد أهم الوثائق الفكرية للحداثة بصفتها مراساً كلياً يشمل معيش الإنسان اليومى وفنونه وآلاته وعلاقته بجسده ومحيطه، فلاسفة كثر، من فالتر بنيامين إلى هنري لوفيفر وآخرين، نهلوا من هذه الدراسة ولا يزالون ينهلون حدوساً ومعاينات كبرى قبض عليها الشاعر، والناقد بعينه الفاحصة وبيانه الرفيع.
ويضم هذا الكتاب نصوصاً أخرى لها أهميتها في المجالات المذكورة، من بين المتابعات الطويلة الأربع التى كرسها بودلير لمعارض جماعية، اختير النصان الموسعان اللذان يجمع النقاد على كونهما أهم ما كتب الشاعر في هذا المضمار، الأول خص به المعرض الدولي الذى أقيم في باريس في 1855 وجمع جناحه للفنون التشكيلية كوكبة من كبار الفنّانين الفرنسيين وغير الفرنسيين. والثانى مخصص للمعرض الجماعى للعام 1859.
وأخيراً يضيف الكتاب ثلاث مقالات وجيزة تشير كل منها إلى جانب مهم من اهتمامات بودلير. في مقالة عنوانها "الفن الفسلفي" يعارض تعليم الفن السائد في زمنه واستغلال الفن لإيصال تعاليم فكرية أو أخلاقية. وفي النص الثاني يواكب عودة فن الحفْر بالحَمض بعد احتجابه النسبي لصالح شقيقه فن الحفر بالمحفر أو الإزميل بين بدايات القرن التاسع عشر ومنتصفه.
أما النص الثالث فهو رسالة إلى صديقه الرسام إدوار مانيه، أحد رواد الرسم الانطباعي. وعلى وجازتها تكشف الرسالة عن ملمح مهم في شخصية الشاعر وسلوكه. فهو يأخذ بيد الصديق المأزوم، الذي ألفى نفسه في مواجهة نقّاد متعسّفين وجمهور جاحد، وكذلك في مواجهة شكوكه هو نفسه وثبوط عزيمته.
ولد شارل بودلير في باريس عامَ 1821. توفّي والده وهو في سنّ السادسة، وما إن أدرك سن الرشد حتّى بدد كل ثروته الموروثة عنه. أمضى سبعة أشهر في جزيرة موريشيوس، ثم انصرف إلى القراءة وبدأ بعد فترة بنشر قصائده ومقالاته في الفنّ وترجماته لقصص الشاعر والكاتب الأمريكي إدغار بو. ولدى صدور مجموعته الشعريّة "أزهار الشرّ" في 1857 حوكم هو وناشره بتهمة الإساءة إلى الأخلاق العامّة وحُكِمَ عليهما بدفع غرامة ماليّة وحجْب ستّ قصائد من المجموعة. بيد أنّه نال تدريجيّاً الاعتراف بإسهامه الحاسم في ولادة الشّعر الفرنسيّ الحديث والخروج به من الرومنطيقيّة. دفعه جزعه من الحياة الثقافية في فرنسا إلى إمضاء سنيّه الثلاث الأخيرة في بلجيكا، عاد منها إلى باريس في 1867 حيث توفّي عن مرضٍ في سنّ السادسة والأربعين. وبُعيد وفاته جُمعت مقالاته في الفنّ ونُشرت مجموعته الشعريّة "سويداء باريس" التي ساهمت مساهمة كبيرة في ولادة قصيدة النّثر.
أما مترجما الكتاب فأولهما، كاظم جهاد، شاعر وناقد ومترجم عراقي، يعمل أستاذاً مشرفاً على الأبحاث في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية التابع إلى جامعة السوربون–باريس سيتي. له عدة مجموعات شعرية ودراسات نقدية باللّغتين العربية والفرنسية.
والزين بنشيخة المسكيني باحثة تونسية حصلت على الدكتوراه في الفلسفة الحديثة ببحث حول كانط وعلى التأهيل في الفلسفة في اختصاص فلسفة الفن والجماليات. وهي أستاذة محاضرة في الفلسفة بجامعة تونس المنار.