اجتمع مجلس نقابة الموسيقيين للمرة الأولى بعد صدور القانون 123 لسنة 1944.. كانت أم كلثوم هى النقيب بالانتخاب، وكان الموسيقار محمود الشريف وكيلا، وفى هذا الاجتماع بدأ السطر الأول فى قصة حبهما التى فاجأت الجميع، وهزت الأوساط السياسية والفنية، وأدت إلى تدخل الملك فاروق.. يروى الشريف القصة كاملة فى مذكراته المجهولة، إعداد الشاعر والكاتب محسن الخياط، ونشرتها مجلة «الشاهد- شهرية- قبرص» من مارس 1998 إلى يوليو 1990.. «راجع- ذات يوم 29 و30 و31 يوليو 2019».
كان يوم 1 أغسطس- مثل هذا اليوم -1990هو اليوم الرابع على وفاته «29 يوليو1990»، وكانت مذكراته تحتوى على أول اعترافاته عن قصة الحب التى ربطته بسيدة الغناء العربى أم كلثوم، وأسرار سير العلاقة على الأشواك، أشواك السياسة والشهرة والمجتمع.
يسرد الشريف القصة بتفاصيلها الرومانسية.. يتذكر أنه بعد انتهاء اجتماع مجلس النقابة جلس إلى أريكة بالقرب من النافذة، فخطت أم كلثوم نحوها، وأطلت منها ثم جلست إلى جواره، وأخرجت علبة سجائر «لكى سترايك» من حقيبتها، وأعطته سيجارة وأشعلت سيجارة، ودار حديث حول مصيف رأس البر الذى عادت منه قبل أيام.
اقترح عازف الكمان أحمد الحفناوى أن يعزمهم، شرط أن يقدم محمد القصبجى تقاسيم على العود، ووفقا للشريف: «فوجئ القصبجى بالاقتراح وخيم عليه صمت كئيب، وغيرت أم كلثوم الاقتراح إلى دعوتهم إلى لبيتها، فحمل القصبجى عوده على مضض، لكنه فوجئ بأم كلثوم تضحك وهى تقول له: «سلامتك ياقصب.. طب خليك أنت مادام تعبان، لكنه انتزع نفسه من على مقعده وهو يقول: أمرى لله آجى أسهر معكم».. يعلق الشريف: «كان للقصبجى قصة حب أخرى من طرف واحد تحسها أم كلثوم».. يضيف: «فى منزل أم كلثوم بدأت السهرة، وعزف القصبجى أحلى مقطوعاته، وغنت أم كلثوم كما لم تغن من قبل..كانت ليلتها شديدة المرح والجاذبية تلقى بالنكتة وتغنى وكأنها ابنة 16 ربيعا.. امتدت السهرة حتى مطلع الفجر، قمت إلى شرفتها المطلة على النيل أتنسم الهواء البارد.. أحسست بيدها تربت على كتفى، التفت إليها، همست فى أذنى: «أنت تتغدى معايا بكرة هنا فى البيت».
سأل الشريف نفسه: «ما سر اهتمامها بى؟.. قد يكون لأنى المشاكس الدائم فى مجلس النقابة، وهى تريد بكرمها وحسن استقبالها لى أن تلوى ذراع هذا المشاكس وتطويه تحت إبطها.. قد يكون لأنى أحد أصدقاء محمد عبدالوهاب فى وقت كانت تتصارع فيه القمتان فظنت أنى من رجال الموسيقار الكبير الذين يروجون لفنه بمناسبة وبدون مناسبة».. يضيف: «مع تطور علاقتى بها تكشفت لها شخصيتى الحقيقية.. أدركت أننى لا أدور فى فلك أحد، ولا أعيش على بقايا موائد عالم الموسيقى والتلحين.. أدركت أشياء كثيرة، وأكثر ما أدركته معاناتى النفسية، طموحاتى، استقلال شخصيتى الفنية.. استمعت إلى ألحانى فى جلسات متكررة ورددتها معى بصوتها الملائكى.. كانت تبهرنى كما بهرت جميع الفنانين والمستمعين، جمالها فى جاذبيتها، فى ذكائها، فى حضور بديهتها..كانت عالما قائما فى ذاته، ملأت على مشاعرى بإحساسها المرهف وتواضعها وبساطتها وهى بعيدة عن جلسات الصالونات وسهرات الباشوات».
يؤكد: «أحسست بها تقترب منى كل يوم، وأصبح لقاؤنا شيئا ملموسا أدركه الكثير من أعضاء النقابة، لم يكن يمر يوما من دون أن نلتقى، اعتادت قدماى على فيلا أم كلثوم، أحيانا أكون ضيفا على الغداء،أو ضيف سهرتها الوحيد.. كل منا يفرغ ما فى جعبته من أسرار، ويتسابق كل منا فى أن يفتح قلبه للآخر، حتى أننا كنا نتشاجر كالأطفال حول من يحكى قصته قبل الآخر.. عرفت كل شىء عني.. تعرفت على أسرتى.. أمى، أختى، أخى حسن، زوجتى فاطمة، وكانت تعرف مأساة حياتى معها، التى تمثلت فى مرضها العضال.. أرادت أن تلتقى بفتى من وسطها، تعاقب على طلب يدها الوزراء والصحفيون والأغنياء العرب ورفضتهم جميعا، وقبلت أن تمنح قلبها لفنان من وسطها من طبقتها يقدر فيها الإنسانة والفنانة معا».
يتذكر الشريف: «كشفت علاقتى بأم كلثوم حبا مكبوتا لها فى قلوب زملاء، لكنه من طرف واحد، كان أخطره حب محمد القصبجى..كانت تدركه بنفسها وتتجاهله، لكنه كان يطاردها فى صمت.. حكى لى الفنان أحمد الحفناوى، عازف الكمان الشهير، أن القصبجى كان يشكو له من أنه يتكلف يوميا خمسة جنيهات ثمنا لتاكسى لكى يتتبع باستمرار خط سيرنا أنا وهى.. وكانت تعرف ذلك وتتقصد عندما تراه يتتبع مسيرتنا بسيارتها طولا وعرضا.. حتى ترهقه..كانت تقول لى: «خلينا نحرق قلبه على الفلوس اللى بيدفعها عشان يبطل يتجسس على الناس».. يضيف: «فى ليلة رأس السنة الهجرية وضعت دبلة الخطوبة فى يدها، ونقشت عليها: «لا إله إلا الله»، وعلى دبلتها «محمد رسول الله»، ورنت أول زغرودة فى فيلا أم كلثوم.. تكتمنا على الخبر، إلا أنه تسرب إلى دار أخبار اليوم».. وتستمر الحكاية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة