أربعة أدوار انعقاد قضاها النائب الكريم تامر الشهاوى تحت قبة البرلمان، لم نر له خلالها معركة لصالح دائرته مترامية الأطراف (دائرة مدينة نصر) ولا جهدا خارقا فى قانون أو أداة رقابية، لكنه قرر فجأة أن يُعوّض هذا الغياب الطويل بحالة استئساد مجانية على الإعلام، ومساعٍ لإدارة مجلس النواب بكامله وفق هواه، وهو ما لا يُرضى المجلس وأعضاءه الكرام بالتأكيد!
لا يُمكن تجاوز الدهشة فى موقف الشهاوى، الذى بادر على مدى أسابيع بانتقاد الإعلام وادعاء بطولة سهلة على حسابه، كان الطبيعى أن يُسجّلها فى شوارع دائرته أو تحت قبة المجلس، لكننا وغيرنا من العاملين فى حقل الإعلام تلقينا انتقاداته بصدر رحب، وتعاملنا معها فى إطار افتراض حُسن النية، وحاولنا أن نتفاعل مع الأمر فى إطار من العقلانية والاتزان. سندرس جميعا أداءنا كما نفعل دائما، وما دام النائب الكريم يبتغى الإصلاح فسنضع تحت يديه ما يغيب عنه، وننقل له نبض دائرته الذى يتجاهله، حتى يدرس هو أيضا ما يفوته، ويستكمل الإصلاح بضبط ممارساته النيابية والشعبية. كانت الخطوة تأكيدا لحق النقد الذى مارسه النائب الكريم، وإعلاء لدور الإعلام فى ضبط المجال العام وممارسات المتحركين فيه، وانتصارا لدائرة مهمة تحظى نظريا بتمثيل نيابى، وتفتقده عمليا لأن نائبها الكريم يتفرغ لأمور أخرى. المفارقة الصادمة التى لم نكن نتوقعها، أن تامر الشهاوى الذى ادعى أنه يدافع عن الإعلام ويسعى لتقوية ركائزه، لم يحتمل ممارسة الإعلام لحقه فى الكشف والنقد وإثارة الأسئلة، وبدلا من أن يرد بالمعلومة والرأى والقرينة والدليل، قرر إعلان الحرب على الصحافة، ووضع البرلمان الموقر فى المواجهة، كما لو كان ورقة فى الجيب الخلفى للنائب الكريم، يُخرجها ويتلاعب بها كيف يشاء!
تناقضات السيد تامر الشهاوى
لم نضع فى اعتبارنا - نحن أهل صنعة الإعلام - أن النائب تامر الشهاوى ربما يستهدف أمورا جانبية لا نعلمها من وراء حملته على الصحافة والتليفزيون، افترضنا حُسن النية وتعدد الرؤى على أرضية بيضاء، خاصة أن الشهاوى ضيف دائم على البرامج والتقارير الصحفية، ومن حيث أنه أحد أبرز المستفيدين من الإعلام فليس منطقيا أن يكون معاديا له، أو ساعيا إلى خنقه. هذا التصور اهتز قليلا، أو بالأحرى كثيرا، بعدما طوّر نائب مدينة نصر الأمر إلى حرب غير مفهومة على الإعلام، وتلميح بأنه سيوجه قرابة 600 نائب تحت قبة البرلمان لخوض تلك الحرب، وهو موقف غريب تجاه الساحة الإعلامية، فضلا عما ينطوى عليه من تعريض بالمجلس واستقلال أعضائه، وتلك نقطة نثق فى أن مجلس النواب سيرد عليها، لكننا نتساءل فى الشق الذى يخصنا، كممتهنين وعاملين فى حقل الإعلام.
كنا قد تلقينا على مدى أيام ماضية رسائل وشكاوى من عشرات المواطنين فى نطاق مدينة نصر وعزبة الهجانة، يشكون غياب نائبهم الكريم تامر الشهاوى عن الدائرة ومشكلاتها، وتجاهل ملفاتها فى مشاركاته وحضوره تحت القبة، ومن واقع طبيعة دورنا عرضنا فحوى الرسائل معتقدين أن الشهاوى حسن النية سيبادر بالرد والتوضيح، ويفسر غيابه عن دائرته بالمرض أو السفر أو الانشغال أو الضغوط العائلية وما إلى ذلك من تبريرات بروتوكولية معهودة، لكنه بدلا عن ذلك قرر أن يختلق خصومة لا معنى لها مع الإعلام، وبعدما كان يتحدث عن أثر الإعلام وحضوره ودوره، بات يهدده بتحجيم هذا الحضور وتقويض الأثر عبر اللجوء إلى الأدوات الرقابية وتشكيل لجنة تقصى حقائق تحت القبة!
نعلم، ويعلم النائب تامر الشهاوى معنا، أنه لا حصانة لموظف أو مسؤول أو نائب، بموجب الدستور والقانون، وأن انتقاد الأداء العام حق شرعى للإعلام وعموم الناس، ما لم ينطوى على تجاوز جنائى، ومن ثم فإن نقل شكاوى المواطنين من أحد نوابهم لا يشتمل على جريمة ولا يستدعى لجنة تقصى حقائق، خاصة أننا لم نتهمه بالفساد أو التربح أو انتهاك القانون، بل لم ننقل بعض ما يقوله أبناء الدائرة تحت عناوين تحتمل المساس بشخصه وذمته، وإنما وضعنا الانتقادات العديدة التى تلاحقه على ميزان القانون، ونقلنا منها ما يقع فى دائرة النقد المشروع، لذا لم يكن التهديد باللجوء إلى النيابة العامة (وهو حق مشروع له ولنا وللجميع) أو توريط المجلس بكامله فى رؤيته ووجهة نظره، إلا هروبا من الرد على استحقاقات أهالى مدينة نصر على نائبهم، وانتقاداتهم لأدائه، وهو مسلك للهروب لا نرضاه ولا نقر أن يجعل النائب الكريم تامر الشهاوى من الإعلام "شمّاعة" يُعلّق عليها تقصيره ويغسل يديه من التزاماته تجاه من أوصلوه إلى مقعده!
الحقيقة التى ترددت فى رسائل المواطنين، وربما تدعمها الوقائع ومضابط المجلس، أن السيد تامر الشهاوى غائب عن دائرته، لا يعرف عنها شيئا ولا يهتم بمشكلاتها ولا يلتقى مواطنيها، وأنه لم يعرض شيئا يخصها فى المجلس ولجانه، بل إن حضوره العام تحت القبة يسجّل انخفاضا فادحا بالمقارنة بعدد الجلسات والاجتماعات وأداء طابور طويل من النواب الآخرين، وفى تلك النقطة يحق للشهاوى أن يطلب من أمين عام البرلمان تقريرا بحصيلة أدائه فى أربعة أدوار انعقاد، من كلمات واجتماعات وجلسات وأدوات رقابية، ويرد على أبناء دائرته المتضررين من صمته بتلك البيانات. هذا هو المسار الوحيد العاقل والمقنع والمنطقى، لكن اختلاق حرب غير حقيقية مع الإعلام، أو التهديد باستغلال موقعه داخل المجلس فى تقويضه ومنعه من ممارسة دوره، هو موقف غير موفق من النائب الكريم، وينطوى على استعراض قوة ربما ترتقى إلى حالة بلطجة، فضلا عن أنه لا يرضى مجلس النواب الذى لن يسمح بذلك، ولن يقنع أهالى الدائرة الغاضبين من نائبهم المقصر، ولن يضيف كلمة أو جلسة أو أداة رقابية إلى سجل الشهاوى تحت القبة!
الإعلام ليس متهما
يحاول النائب تامر الشهاوى تصوير الأمر كما لو كان الإعلام متهما وعليه أن يثبت براءته. الحقيقة أن الإعلام لم يمنعه من نزول دائرته والالتقاء بأهلها، ولم يقطع طريقه إلى المجلس أو يضع يديه على فمه ليمنعه من الحديث، كل ما يفعله الإعلام أنه ينقل ما فعله النائب بنفسه، وبإرادته المستقلة، وهو فى ذلك يُمارس دور الكشف والتنوير الذى يحفظ له قوته وتأثيره ومصداقيته لدى الناس والمؤسسات، وإعلان النائب الكريم تامر الشهاوى ضيقه من ذلك، وتحركه لتحجيمه أو منعه، ربما ينطوى على استئساد مجانى لا محل له، فضلا عن أنه حصار غير قانونى وغير دستورى للإعلام، ويصطدم مع توجهات الدولة والقيادة السياسية الداعمة لحرية الإعلام وفق ضوابط القانون وديمقراطية المعرفة وتداول المعلومات.
فى ضوء تلك الصورة لا يتوافق موقف النائب تامر الشهاوى الراهن مع أحاديث ومنشورات وتغريدات سابقة تحدث فيها عن الإعلام وحريته وحقوقه، فبينما تضعه تلك الأحاديث فى دائرة المدافعين عن الإعلام والمساندين له، تأتى مواقفه العملية محسوبة على دائرة الضيق من الممارسات الإعلامية ومحاولة تقييدها. الشهاوى لم يحتمل النقد الذى مارسه معنا ومع غيرنا، وبدلا من الرد وفق المسارات الشرعية يهدد بإقحام البرلمان فى معركة لن يقبل به الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، وهو من أكد كثيرا انحيازه لحرية الإعلام، ويقف مع القيادة السياسية على خط داعم للممارسات الإعلامية الحرة ما دامت ملتزمة أُطر القانون وضوابطه.
السؤال المهم من حصيلة كل هذا الارتباك. هل يملك النائب الكريم تامر الشهاوى سلطة على 600 نائب ليُعلن استباقيا عن قرارات وإجراءات بحق الإعلام؟ وهل يمكن افتراض الإقرار بالحرية والشفافية من جانب نائب لم يقبل النقد ويسعى إلى منعه بإجراءات برلمانية بدلا من الرد عليه والحوار حوله؟ وهل يكره النائب تامر الشهاوى دائرته إلى الحد الذى يجعل إعلان الحرب على الإعلام ومحاولة الزج بالبرلمان فيها بالنسبة له أسهل من نزول الدائرة والتقاء أهلها وحل مشكلاتها؟
نحتفظ بتقدير للنائب الكريم تامر الشهاوى، نابع من تقديرنا لمجلس النواب الذى يحوز عضويته، ومن تقديرنا لدائرة مدينة نصر ومواطنيها، حتى لو بدر من الشهاوى ما يمس تقديره لهما. لكن هذا التقدير لا يمنعنا من انتقاد التقصير، ونقل رسائل الناس، وممارسة دورنا التنويرى والرقابى على المسؤولين وذوى الوضعية العامة، وإذا كان حديث الشهاوى عن اللجوء إلى النيابة حق شرعى له ولنا، فإن تلميحه بتشكيل لجنة تقصى حقائق فى البرلمان يتجاوز لائحة المجلس ومستوياته الإدارية ويمس استقلال 600 نائب بالتأكيد لا يحركهم الشهاوى ولا يملك سلطانا عليهم. وإذا كان ضيق نائب مدينة نصر من النقد مؤشر على ضيقه من الإعلام، فإن هذا لا يمنع الإعلام من ممارسة دوره، لكنه ينسف كل افتراض لحُسن النية حينما يقارب الشهاوى الشأن الإعلامى، إذ يبدو المشهد وكأن لسان حاله "مع حرية الإعلام طالما كان بعيدا عن تقصيرى" وهو منطق ندعو النائب الكريم إلى مراجعته، كما نضع الملف بكامله أمام الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، خاصة أن حديث عضو عادى باسم المجلس بكامله، واستخدام الاسم فيما يصادم توجهات البرلمان وانحيازاته، ربما يتعارض مع التزاماته بموجب القانون واللائحة.. سنواصل مراجعة أداء الشهاوى وغيره من الشخصيات العامة، ملتزمين بالقانون وثوابت المهنة، ونثق تماما فى أن المجلس ونوابه سيُراجعون المنفلتين بين صفوفهم، كما فعلوا من قبل، ويفعلون دائما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة