لا يتوقف الشعب التونسي عن تقديم دروس الحرية والديمقراطية في الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد بدءا من ثورة الياسمين في عام 2011 مرورا بالانتخابات الرئاسية عام 2014 وصولا إلى انتخابات الرئاسة الراهنة والتي أفرزت مرشحين كانا خارج دائرة المرشحين للفوز بكرسي الرئاسة.
جاءت نتائج الرئاسة التونسية عكس ما توقع خبراء وساسة غربيون وتونسيون حول الشخصيات المرشحة للفوز بالمنصب، متجاهلين نقطتين هامتين وهما فقدان الشعب التونسي للثقة في النخبة السياسية التى تتصدر المشهد الراهن، وحاجة الشعب إلى التنمية في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة.
اللافت للنظر في انتخابات الرئاسة التونسية التي ستدخل أشواط إضافية لحسم المعركة لصالح أحد المرشحين الاثنين اللذين صوت لهما الشعب التونسي بأكثر عدد من الأصوات وهم القانوني قيس سعيد الذي يمثل النخبة المثقفة والغير منخرط في أي حزب سياسي، ورجل الأعمال نبيل القروي الذي يصفه بعض التونسيين بـ"أبو الفقراء" نظرا لما يقدمه للفقراء والمحتاجين من مساعدات خيرية، وسط ضعف المنظومة الحكومية التونسية وعدم التفاتها لتلك الطبقة الكادحة.
نسبة إقبال التونسيين على التصويت تدنت جدا خلال هذه الانتخابات حيث سجلت الهيئة المستقلة للانتخابات مشاركة 45% فقط مقارنة بنسبة 63 % عام 2014، وهو ما يشي إلى الإحباط المسيطرة على التونسيين وخاصة الشباب الذي عزف عن المشاركة بسبب التردي الاقتصادي وانتشار البطالة وتغول الفساد في جميع مؤسسات الدولة التونسية.
تيار الإسلام السياسي ممثلا في حركة النهضة التونسية تلقى صفعة قوية من الشعب التونسي بعد تشتت أنصار الحركة بين المرشحين عبد الفتاح مورو والمنصف المرزوقي، وهو ما أدى لتفتيت الأصوات التي حصلوا عليها ويمكن مجموعها أحدهم للدخول في جولة إعادة للمنافسة في الانتخابات الرئاسية.
الضربة القاضية التي تلقتها حركة النهضة التونسية بمثابة إعلان وفاة لتنظيم جماعة الإخوان سياسيا في شمال افريقيا ، وهو ما كانت تخشاه الجماعة التي فقدت الحكم في مصر والسودان وليبيا وموريتانيا وأخيرا خسارتها الرئاسة في تونس، وهذا يدلل إلى عزوف الناخبين عن منح أصواتهم للتيارات الإسلامية فى تلك البلدان لفشلها في تقديم أوراق اعتمادها سياسيا لدى الشعوب العربية وخاصة بشمال افريقيا.
بالتأكيد سيكون للمرأة التونسية الكلمة الحاسمة فى جولة الإعادة والتي يتوقع أن تذهب أصواتها للمرشح نبيل القروي، وذلك بسبب رفض منافسه قيس سعيد لمشروع قانون المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وهو ما يعزز فرص القروي الذي يعول على دعم التيار المدني والليبرالي بشكل كبير في مواجهة التيار الإسلامي الذي يرجح مراقبين دعمه للمرشح قيس سعيد.
سيرث الرئيس التونسي الجديد تركة ضخمة من الفساد السياسى والاقتصادى تراكمت خلال السنوات الماضية، ورغبات تونسية جامحة فى تحقيق التنمية فى البلاد على حساب الديمقراطية التى طالما نادى بها الشعب التونسى وخاصة بعد دخول كتلة تصويتية جديدة من الشباب خلال السنوات الخمس الأخيرة وتطمح فى رخاء اقتصادى يوفر فرص عمل للشباب.
ويمثل ملف الإرهاب أحد أبرز الملفات التي يعول الشعب التونسى على الرئيس الجديد فى إيجاد حل لها، وهو أحد أبرز الملفات التى أسقطت ثقة الشعب التونسى فى حركة النهضة التونسية بعد نشر تقارير إعلامية تفاصيل وأسرار حول الجهاز السرى لحركة النهضة والذى تتهمه قوى سياسية باغتيال المعارضين التونسيين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى، فضلا عن الاضطرابات التى تعيشها الجارة ليبيا وتنعكس سلبيا على أمن واستقرار تونس.
هنيئا للشعب التونسى المكافح هذه الانتخابات الرئاسية التى أحدثت زلزال سياسى فى قواعد الأحزاب السياسية التى راهنت على الصحف الخاصة ووسائل الإعلام التى تمتلكها وأهملت المواطن البسيط الذى وجه ضربة قاضية لنخبة تونس عقابا لها على تجاهلها للشارع وعمل هذه النخبة من أبراج عاجية.