بدأت سيدة الغناء العربى أم كلثوم برنامجها فى العاصمة السوفيتية موسكو يوم 26 سبتمبر–مثل هذا اليوم-1970، بلقاءات مع مسؤوليين فى وزارة الثقافة السوفيتية يشرفون على تنظيم أربع حفلات غنائية بالاتحاد السوفيتى، وذلك بعد يوم من وصولها وكانت وزيرة الثقافة السوفيتية فى استقبالها بالمطار، حسبما يؤكد السفير وفاء حجازى الوزير المفوض بالسفارة المصرية وقتئذ فى شهادته لى عن هذه الزيارة لسيدة الغناء العربى.
صدر كتيب صغير بعنوان «أم كلثوم فى الاتحاد السوفيتى» عن هذه المناسبة، بلغات، العربية والروسية والإنجليزية والفرنسية، وصدر عن العلاقات الخارجية فى وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع وزارة الثقافة السوفيتية.. يذكر الكتيب أن موعد هذه الحفلات فى سبتمبر وأكتوبر 1970، وأن حفلة موسكو ستغنى أم كلثوم فيها «ودارت الأيام» للشاعر مأمون الشناو»، وألحان محمد عبد الوهاب، وأغنية «ألف ليلة وليلة» كلمات مرسى جميل عزيز وألحان بليغ حمدى، وفى حفلة «طشقند» كانت ستغنى «ألف ليلة وليلة»، وقصيدة «أراك عصى الدمع» تأليف أبو فراس الحمدانى، وألحان رياض السنباطى.
اللافت فى هذا الكتيب، أنه ينشر موعد حفلتين، واحدة فى موسكو بتاريخ 20 سبتمبر 1970، والثانية فى «طشقند» يوم 27 سبتمبر، وهذا خطأ فى التوثيق، بدليل أن أم كلثوم «وصلت يوم 25 سبتمبر 1970 إلى موسكو على رأس وفد من 50 عضوا، منهم 21 عازفا من فرقتها الموسيقية»، حسبما يأتى فى كتاب «أخبار المصريين فى القرن العشرين من 1951 إلى 1975» إعداد، سعيد هارون عاشور.. كما أنها لم تغن فى «طشقند» يوم 27 سبتمبر، وألغيت الحفلات لوفاة جمال عبد الناصر يوم 28 سبتمبر 1970، وعادت أم كلثوم إلى القاهرة يوم 2 أكتوبر.
فى كل الأحوال فإننا أمام حدث شهد إثارة ودراما منذ بدايته حتى نهايته غير المتوقعة، وجاء ضمن خطة أم كلثوم بإحياء حفلات فى الخارج والداخل لصالح المجهود الحربى، وبدأتها بعد نكسة 5 يونيو 1967، وشملت حفلات فى تونس والمغرب والكويت ولبنان وفرنسا والسودان وأبوظبى وليبيا، بالإضافة إلى عواصم المحافظات المصرية كالمنصورة ودمنهور، وذهب إيرادها جميعا لصالح إعادة بناء الجيش المصرى استعدادا لمعركته لتحرير سيناء التى احتلتها إسرائيل فى 5 يونيو 1967.
تتبعت قصتها فى «موسكو» بكل ما فيها من إثارة ودراما، لتوثيقها فى كتابى «أم كلثوم وحكام مصر»، والتقيت بشاهدين عليها هما السفير وفاء حجازى، والكاتب سعد الدين وهبة بالإضافة إلى ما كتبته الصحافة المصرية عنها.. كان سعد الدين وهبة أحد أصدقاء أم كلثوم، وكشف لى أن فكرة الحفلات فى الاتحاد السوفيتى بدأت بحوار صحفى أجرته سيدة الغناء العربى مع أكبر الجرائد السوفيتية وقتئذ وهى جريدة «البرافدا» الناطقة بلسان الحزب الشيوعى السوفيتى، وكان هو شاهدا على هذا الحوار وطرفا فيه.. يتذكر: «اتصل بى مندوب الجريدة فى القاهرة، يطالبنى بنقل رغبة الجريدة إلى أم كلثوم لإجراء حوار صحفى معها».
يؤكد وهبة: «كان مندوب البرافدا يعرف أننى أقابل أم كلثوم كثيرا لكتابة قصة فيلم عنها يخرجه يوسف شاهين فطلبنى لهذه المهمة لإزالة أى عوائق».. يضيف: «أبلغتها فى نفس اليوم، فسألتنى عن أهمية الجريدة ومكانتها فى الاتحاد السوفيتى، فأوضحت لها كل شىء، مؤكدا لها أنها أجرت حوارا مع الرئيس جمال عبد الناصر من قبل»..يتذكر«وهبة» أنها علقت ضاحكة: «حوار واحد فقط مع الرئيس»..يضيف: «وافقت، وتحدد موعد فى نفس الأسبوع، واصطحبت أنا مندوب البرافدا إلى فيلتها بالزمالك لإجراء الحوار، وطلبت منى أن أقوم بدور المترجم للحوار الذى سيجرى باللغة الإنجليزية، وكانت هذه أول مرة أعرف فيها أنها لاتتحدث الإنجليزية، بالرغم من إجادتها للغة الفرنسية إجادة تامة، وتعلمتها بعد سنوات من احترافها الغناء».
شهد الحوار موقفا طريفا يتذكره «وهبة» قائلا: «بعد ترجمتى لعدد من الأسئلة والإجابة عليها توقفت هى وسألتنى بالعربية: أنا بأعُك؟.. يفسر وهبة سؤالها بقوله: «تقصد أنها تقول أى كلام«.. يتذكر رده عليها: «بالعكس يا ست أنت تقولى كلام رائع جدا»..يضيف: «سألتنى مستفسرة: طيب ليه الرد اللى أنت ترجمته بالإنجليزية أطول من اللى أنا بأقولوا لك بالعربى؟.. أجبت: «أنا أطيل الرد عن عمد حتى لايفلت منى أى معنى أو يفلت من مندوب الجريدة».. يعلق سعد: «ظهر عليها الاقتناع، واستمر الحديث».
كان آخر سؤال والإجابة عليه هو قمة التعبير عن وطنية هذه السيدة، وقمة جمالها وبلاغتها حين تتحدث بتلقائيتها.. يتذكر وهبة: «كان آخر سؤال وجهه مندوب البرافدا: «ماذا تفعلين إذا حققتم الانتصار على إسرائيل بالسلاح السوفيتى؟..أجابت فورا وبتلقائية مدهشة: «أغنى للشعب السوفيتى فى شوارع موسكو».
توقع «وهبة» أن نشر الحديث فى «برافدا»، ساهم فى دوران عجلة تقديم أربع حفلات لها فى الاتحاد السوفيتى، وكان ذلك بالتنسيق بين وزارة الثقافة السوفيتية ونظيرتها المصرية، وسافرت أم كلثوم، وتولى السفير وفاء حجازى رحمه الله مسؤولية الاهتمام بها، حيث كان السفير مراد غالب فى مهمة خارج موسكو لعدة أيام .. فماذا قال «حجازى»؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة