إيمانا بدور الفنان فى المجتمع وواجبه ومسئوليته الكبيرة إن كان بحق فناناً حقيقياً يحمل بداخله هموم هذا الوطن، ويسعى جاهداً بما تملك يداه وما يتيسر له من إمكانات لطرح هذه الهموم، وتلك السلبيات محاولاً علاجها بهذا الفن ذو التأثير الأكبر والأهم الذى ساهم بحق فى بناء الشخصية المصرية وشكل وجدانها ورسخ بداخلها قيم وأخلاقيات لم تقو مناهج التربية والتعليم ولا منابر الدعاة على ترسيخها بهذه الدرجة من القوة .
ولكن :
كانت تلك رسالة الثقافة والفنون بكل أشكالها قبل أن تصاب بأمراض العصر الحديث التى جعلت منها أبواباً للفتن والتدنى والانهيار الخلقى، علينا جميعاً التصدى لها ولمن اتبعها بكل قوة لإغلاقها بأقفال حديدية صلبة لنحمى أنفسنا وأهلينا وبلادنا من تلك الرياح العاتية التى اقتلعت بطريقها الأخضر واليابس لتصيب أجيالاً بعينها بالتلوث السمعى والبصرى والنفسى.
لنجد أنفسنا بين ليلة وضحاها وفى سنوات قليلة أغراب بديارنا نلتفت يميناً وشمالاً بحثاً عن مخرجاً ما زال مفقوداً يخرجنا بسلام من هذه الدوامة.
فلن تنصلح أحوالنا ونستعيد أمجادنا إلا بمراجعة حقيقية للنفس وإصلاح منظومة التعليم والثقافة والفنون لعلنا نلتقط آخر طوق للنجاة علينا التمسك به جيداً قبل فوات الأوان.
ومع ذلك: ما زال بيننا من يقوم بدوره تجاه المجتمع من خلال أدواته التى يمتلكها تمام الامتلاك مواجهاً بفنه الذى يتقنه جيداً ويستطيع من خلاله تشكيل إحدى جبهات المقاومة لتلك الحرب الضروس التى نواجهها بعيداً عن الأسلحة والمدافع التى قد انتهى عصرها لتحل محلها حروباً وغزوات ثقافية تهاجمنا من كل اتجاه.
وخير مثال على هؤلاء الذين قرروا أن يلعبوا أدوارهم الحقيقية تجاه وطنهم دون الالتفات لعواء الكلاب الذى يقتحم آذاننا آناء الليل وأطراف النهار هو الفنان المثقف المحترم محمد صبحى.
فقد بنى الفنان محمد صبحى مدينته الخاصة التى وضع بحجر أساسها بعض أحلامه فى تقديم فن راقٍ هادف يحمل رسالة ويلعب دوراً مهماً فى التأثير بالمجتمع وتنشئة الأجيال الجديدة التى تلوثت أذواقها وحوصرت مداركها بكل أشكال الرداءة والتدنى، مستهدفاً قطاعاً كبيراً من الجماهير التى ما زالت تبحث عن الفن الجيد مصطحبين أبنائهم فى محاولة لحمايتهم والارتقاء بأنفسهم و أذواقهم .
وقد أسعدنى الحظ بزيارة لمدينته الخاصة للثقافة والفنون ومسرحه الذى شاهدت على خشبته عرض مسرحى رائع من تأليفه وتمثيله وإخراجه بعنوان (خيبتنا).
ناقش العرض الذى شرع بكتابته الفنان محمد صبحى عام 2004 وتأخر خروجه للنور لعدة أسباب كان آخرها ثورة يناير 2011 كل السلبيات التى يعانى منها المجتمع المصرى وتمتلئ بها مجتمعاتنا العربية فى إطار كوميدى جميل يطرح الحلول مثلما يطرح السلبيات، ويحمل بين طياته شحنة مكثفة من مشاعر الوطنية وشحذ الهمم لمواجهة التحديات وإسقاط الأقنعة عن أوجه المنافقين ذوى الحناجر الرنانة الذين لا يشغل بالهم بحق أمر هذا الوطن ولا يحملون له هم بل يبحثون فقط "من أين تؤكل الكتف؟".
كما يقدم عرض (خيبتنا) مجموعة كبيرة من القيم ويناقش الكثير من السلبيات التى نعانى منها جميعاً إلى جانب شحنات الشجن ومشاعر حب الوطن.
ويقدم أيضا جرعة مكثفة من الضحك الحقيقى الذى نفتقده والذى لم يعد يخرج من القلب اللهم إلا قليلا.
إذ أن الاستخفاف والسماجة وما يسمى بالكوميديا أصبحت لها مواصفات أخرى غير التى نعرفها ونضحك لها من قلوبنا دون تزيد أو استظراف.
ملحوظة : بناء الفنان محمد صبحى لمسرحه بمدينته الثقافية الفنية التى تقع بطريق مصر الإسكندرية الصحراوى وتوافد جماهيره التى تقدر وتحترم فنه رغم بعد المسافة يعد تحدياً كبيراً واختباراً شديد الصعوبة لمنزلة صبحى بقلوب محبيه .
نهاية: كل التحية والتقدير لتلك الحالة الفنية مكتملة الأركان بداية من الفكرة والتنفيذ و الصرح الفنى والعروض المسرحية الهادفة لفنان احترم فنه ورسالته التى يقدمها من خلاله فاحترمه جمهوره وقدره.