فى الوقت الذى يشغل فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، المجتمع الدولى بأطماعه فى سوريا وليبيا، وغاز شرق المتوسط، فإنه يسيطر دبلوماسيا وتجاريا على العراق، وأعلن عن نواياه هذه يوم الخميس الماضى من خلال تصريحات أدلى بها عن خطته لإعادة افتتاح قنصليتين لبلاده فى كل من البصرة والموصل، وهما المدينتان التى تعدان أكبر المدن العراقية من حيث مستوى الاستهلاك السلعى.
ولم يكتف رجب طيب أردوغان، بإعادة افتتاح القنصليتين فى البصرة والموصل، وإنما قرر أيضا افتتاح قنصليتين جديدتين فى كل من كركوك والنجف، وهو ما دفع عددا من المراقبين للشأن العراقى، إلى التأكيد أن أردوغان قرر «غزو» العراق دبلوماسيا، مستخدما سلاح تدشين «القنصليات» فى معظم المدن الكبرى والمهمة، وأيضا غزو السوق العراقى بالسلع التركية، من الإبرة للصاروخ.
تصريحات رجب طيب أردوغان، وتحركاته على الأرض، تأتى فى إطار مشروعه الضخم بإعادة جغرافية وإرث أجداده العثمانيين، خاصة التى كانت تسيطر عليها فى الإقليم، وهى العراق وسوريا وليبيا وتونس والجزائر ومصر والخليج، وهو ما يفسر توسيع أردوغان لدائرة النفوذ والصراع فى عدد كبير من الساحات العربية، القريبة منها والمتباعدة، مثل ليبيا والسودان والصومال واليمن وسوريا، بجانب الساحة العراقية التى تعد على وجه التحديد، مطمعا مغريا له نظرا لحالة السيولة الأمنية والسياسية المخيفة التى تمر بها العراق، فى الوقت الراهن، وتحول أراضيها إلى ملعب كبير يمارس منتخب العالم عليه كل ألاعيبه، عسكريا وسياسيا وطائفيا أيضا..!!
المثير للدهشة، أن أردوغان اتخذ قرار التوسع فى تدشين القنصليات فى العراق، بقرار فردى، وكأن العراق جزء أصيل من ممتلكات تركيا، تتدخل وتعبث بمقدراته وتستولى على ثرواته، فقد استولت على مياه دجلة والفرات، وحاليا، تستولى على حقوق تصدير معظم النفط المستخرج من المناطق الخاضعة لسلطة الأحزاب الكردية فـــى إقليم كردسـتان، وتصدره عددا من الدول لتجنى ثروات طائلة من العمولات الصعبة، حتى ولو تطلب الأمر بيعه بأسعار منخفضة.
تحرك أردوغان للسيطرة على العراق، يهدف بالدرجة الأولى إلى إنقاذ اقتصاد بلاده المنهار، لذا فإن تشغيل أربع قنصليات فى الشمال والوسط والجنوب، هدفه بسط السيطرة الكاملة على السوق العراقى، فضلا عن الوضع المميز لأنقرة فى إقليم كردستان، حيث تسيطر الشركات التركية على معظم الحركة الاقتصادية والتجارية فى المحافظات الكردية الثلاث، أى أنها تحقق أرباحا طائلة بما يوازى 20% من موازنة العراق، وهى مبالغ ضخمة، وفائدة عظيمة لتحسين الوضع الاقتصادى التركى، ومن ثم فإن العراق حاليا تمثل لرجب طيب أردوغان «الدجاجة التى تبيض ذهبا»..!!
يحدث ذلك وسط غياب تام للدول العربية، وهو ما يفسر دور أردوغان ونظامه وحزبه الإخوانى بإثارة الفتن والقلاقل وتأجيج الأوضاع الداخلية فى عدد من العواصم العربية الكبرى وتحديدا القاهرة والرياض وأبوظبى، لإنهاكها وانشغالها عن المخططات التركية الرامية لإحياء مجد الدولة العثمانية الضائع، والسيطرة على ثروات العراق وسوريا وليبيا..!!
والسؤال، وفى ظل حالة النوم العميق للجامعة العربية، وغزو أردوغان لسوريا عسكريا والتدخل فى الشأن الليبى، وغزو العراق دبلوماسيا وتجاريا، من الذى سيقع من الدول العربية عليه الدور فى قادم الأيام..؟!