لا يمكن الحديث عن حراك 25 يناير فى ذكراها التاسعة، بمعزل عن النتائج التى أسفرت عنه، خاصة ونحن على مشارف مرور عقد كامل على هذا الحراك، الذى بدأ فى تونس ثم، وبالغيرة القاتلة، انتقل إلى مصر وسوريا وليبيا واليمن، تحت عنوان «الربيع العربى«.
ونتائج الحراك، الذى اندلع وفقا لمفاهيم ووعى زائف، كانت نتائجه قتل ودم وإرهاب، وانقسامات واشتعال نار الثأر، وتوظيف إثيوبيا للحراك، بسرعة لبناء سد النهضة، لكن مصر نجت من تلك الحراك، بقوة واستيعاب مؤسساتها القوية للمخطط، وفى القلب منها القوات المسلحة، ثم وعى غالبية الشعب المصرى، وإفاقته السريعة من غيبوبة سكرة الخمر السامة، لتفتيت وتقسيم الوطن، والدفع به فى مستنقع الفوضى..!!
لكن فى تقديرى، بجانب وعى المؤسسات وإفاقة معظم المصريين من سكرة الخمر السامة، فإن الخلافات وتعرية نوايا التنظيمات والجماعات والحركات أبطال مشهد الحراك، ظهرت مبكرًا، وبشكل فاضح، فجماعة الإخوان، اعتقدت أن سرعة تغيير رأس السلطة، فرصة سانحة لإعلان الخلافة الإسلامية، ويجب اغتنامها بكل قوة، لأنها لن تتكرر مرة أخرى، كذلك اعتقاد المراهقين الثوريين، أن العنف والمولوتوف واشعال الحرائق والقتل وإسالة الدماء، والفوضى، عملا ثوريا، ينشد التغيير والسيطرة على قصور السلطة.. والطرفان تناسا ثقافة وعادات وتقاليد وأفكار ومعتقدات 100 مليون مصرى، المتجذرة فى أعماق التاريخ قرابة 6 ألاف سنة، لا يمكن تغييرها بضغطة زر، أو الجلوس فى حفلات السمر والنوم فى الخيام بالميادين، لمدة 18 يوما..!!
أيضا تعرية النخب، واكتشاف مواقفهم، وبؤسهم جميعًا فى التعاطى مع الواقع، وأن هناك فارق شاسع بين الشعارات وتجارة الكلام، وبين الأفعال على الأرض، دورا مهما فى عملية التقييم والفرز لمتائج الحراك..!!
ثم جاء سيطرة جماعة الإخوان على كل السلطات، فى استثمار الحراك لمصلحتهم بالدرجة الأولى، كشف أيضا بؤس التنظيم فكريا، وضيق قماشته العلمية والإدارية، وفقدان القدرة على التفريق بين إدارة تنظيم يعمل فى السر والظلام تحت الأرض، ترتكز قوته على تشكيل ميلشيات متخلفة، واقتصاد قائم على محلات بقالة وتجارة التجزئة، وبين العمل فى الجهر والعلن لإدراة دولة، اجتماعيًا وثقافيًا وأمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ووفقًا لمفاهيم دولة المؤسسات، وليست دولة المرشد..!!
لذلك كان الفشل المريع والسريع، وتصدع أركان التنظيم، وفضح بؤسه وإرهابه، ليس أمام المصريين فحسب، ولكن أمام العالم، فخرج هدير المصريين فى 30 يونيو 2013 لإعادة مصر المخطوفة، وأن الأحداث منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013 عبثية بما تحمل الكلمة من معنى، وأن التاريخ سيقف بإنصاف أمام تلك الفترة بشئ من الخجل، فلا يمكن أن تُحسب فى عداد عمر الوطن، صاحب الحضارة المتجذرة، والملتصق وجوده بصفحة وجه وجود الإنسان على هذا الكوكب.
لكن يبقى النتيجة الجوهرية لحراك 25 يناير، وأظهرتها الذكرى التاسعة، وهى حالة المراجعات الفكرية، للأباء الأوائل المدشنين للحراك، واعترافهم بأخطائهم الفادحة، علنيًا وعلى الهواء، صوتا وصورة، والإجماع على كم الكوارث التى ارتكبوها إبان الحراك، وتسببوا فى أن جماعة الإخوان وأتباعها، اختطفوا الثورة، وأجرموا فى حق المصريين، وهى مراجعة مهمة يجب الوقوف أمامها بكثير من الدراسة والقراءة والتحليل والتدقيق، بعيدا عن تقييمات المشاعر الشخصية، ونواياهم الباطنية..!!
كما كشفت الذكرى التاسعة، حجم المؤامرات المخيفة، علنيًا، وكم كانت جماعة الإخوان تنفذ مخطط تسليم مفتاح القاهرة لأردوغان، سعيا حثيثا لإعادة الاستعمار العثمانى للمنطقة، وبدعم قطرى، ومازال يخططون لتحقيق هذا الهدف، عبر منابر تركيا، وتمويل قطرى..!!
لكن لا يدركون، أن مصر الجديدة، قوية وعفية وقادرة على حماية مكتسبات شعبها الذى تحقق خلال السنوات الخمس الأخيرة، من إنجازات شبيهة بالمعجزات، يتحاكى عنها العالم بأثره..!!