اغتيال قاسم سليمانى هو أعلى نقطة للمواجهة بين واشنطن وطهران منذ تصعيد الصراع بعد تجميد الاتفاق النووى، الصراع فى الشرق الأوسط لم يبدأ الآن، هو مستمر طوال سنوات أخيرة، ويتبادل الأمريكان والإيرانيون التهديد طوال شهور، بديلا عن المواجهة المباشرة، منذ إلغاء الرئيس الأمريكى للاتفاق النووى مع طهران، وهو تحرك يبعثر الكثير من الأوراق، بعد شهور بت فيها أطراف الصراع غير عازمة على المواجهة المباشرة، فقد ظلت التصريحات الأمريكية والإيرانية أقل من تصريحات الحرب.
إقدام أمريكا على قتل سليمانى قائد فيلق القدس، باستهداف موكبه فى مطار بغداد الدولى، له أكثر من دلالة، فهو رد على محاولات اقتحام السفارة الأمريكية فى بغداد، وإطلاق صواريخ على أهداف أمريكية، صحيح أن الولايات المتحدة ردت بقصف قوات الحشد الشعبى، وتنفيذ عملية القتل فى بغداد يحمل نفس الرسالة أنه رد على الأرض، المواقف الإيرانية سارت نحو التهديد بالانتقام، ودعا المرشد الإيرانى على خامنئى، إلى حداد لمدة 3 أيام، مؤكدا أن مقتل سليمانى سيضاعف الدافع للمقاومة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما الرئيس الإيرانى حسن روحانى، فقال بلا شك إن انتقام العملية الإجرامية باغتيال القائد قاسم سليمانى سيطال أمريكا المجرمة، ويزيد من عزيمة الشعب الإيرانى فى الصمود ومجابهة الأطماع الأمريكية والدفاع عن المبادئ الإسلامية.
على الطرف الآخر فقد اعتبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاغتيال حما كثير من الأمريكيين، باعتبار أن سليمانى كان يتحرك لتنفيذ عمليات ضد أهداف أمريكية داخل وخارج العراق، وقال وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو: إن عراقيين رقصوا فى الشوارع عقب إعلان مقتل سليمانى، وفى المقابل ظلت ردود أفعال القوى الدولية بين الإدانة والمطالبة بضبط النفس، خاصة رد فعل الصين وروسيا الذى انتقد العملية الأمريكية، واعتبرتها فورين بوليسى أعلى تصعيد فى الشرق الأوسط خلال الشهور الأخيرة، أوروبا لم تبتعد عن رد الفعل المتفاوت لكن فيما يبدو أن أطرافا أوروبية خاصة فرنسا راهنت على إمكانية الحوار بين واشنطن وطهران، ومع الوقت تراجعت فرص الحوار.
وبالطبع فإن اغتيال سليمانى ضربة موجعة لطهران، فهو أحد كبار صناع النفوذ الإيرانى، ولهذا فإن التهديدات الإيرانية تأخذ اتجاهات متعددة، أغلبها تتجه إلى تهديد مصالح أمريكية فى الشرق الأوسط أو العالم الإسلامى، بما يعنى استمرار الحرب بالوكالة من خلال أذرع إيران فى المنطقة، لكن تظل التهديدات الإيرانية فى إطار عدم الاقتراب من حرب مباشرة يمكن أن تكون الخسائر فيها ضخمة للطرفين، لكنها قد تكون مدمرة للجانب الإيرانى بناء على توزانات القوة. خاصة أن إيران لم تخض حربا مباشرة منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، واكتفت طوال الوقت باستعمال أذرعها نفوذها وهو نفوذ ربما أصبح يكلفها الكثير فى ظل حصار اقتصادى ومظاهرات تندلع ضد النفوذ الإيرانى فى لبنان والعراق.
وهو ما توضحه ردود الأفعال من العراقيين تجاه الاغتيال، وتكشف عن حجم الانقسام بين العراقيين، فقد خرجت مظاهرات من الشيعة تندد باغتيال سليمانى، ومنها جنازة نظمها عراقيون، بينما جرج آخرون من المحتجين على إيران ورشقوا الجنازة بالأحذية تعبيرا عن رفضهم للتدخل الإيرانى.
وفى المقابل خرج عراقيون بمظاهرات احتفلوا فيها باغتيال سليمانى، هذا الانقسام يعبر عن انقسام بين العراقيين، خاصة أن العراق تشهد للمرة الأولى مظاهرات ضد السيطرة الإيرانية وهى أكبر مظاهرات علنية منذ الغزو الأمريكى الذى اسقط النظام فى بغداد 2003، وهو الغزو الذى كانت إيران أول الرابحين منه بل ان الدستور الطائفى الذى فرضه الأمريكيون قوى من شوكة إيران والشيعة على حساب الطوائف الأخرى، وبلغ التفاهم الأمريكى الإيرانى قمته بتوقيع الاتفاق النووى الذى جمده الرئيس ترامب.
الرئيس الأمريكى الذى واجه انتقادات من الديمقراطيين على اغتيال سليمانى، يرى انه حقق انتصارين باغتيال البغدادى ثم سليمانى، وهما نقطتان تصبان لصالح موقفه فى الانتخابات القادمة، وتنهى تأثيرات محاولات عزله من قبل الديموقراطيين، هى نقطة لصالح ترامب، وخسارة لإيران، لكن الرد الإيرانى هو ما يحدد شكل الصراع القادم، وإن كانت الحرب المباشرة ليست مستبعدة لكنها ما تزال بعيدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة