فى حارة المغربلين وبالتحديد فى شارع يمتد عند بوابة المتولى، تجدهم يجلسون بطريقة هى حقا أقرب لرسومات الفراعنة القدامى، يضعون قدما على الأخرى، ويقرفصون منكبين على قطعة من قماش يمسكون بالإبرة السنيورة، ويبدأون تخييط قطع القماش القطن ذو الألوان الزاهية، وبعد قليل من الوقت، ترى ما صنعته تلك الأنامل التي تتحرك بانسيابية فوق القماش السميك، الذى يكون أرضية للوحة فنية لا يمكن لها أن تتكرر، فهي لوحة رسمها ونسقها الفنان الفطري الذى قضى ثلاثة أرباع حياته يتنقل مع أشقائه وآبائه وأجداده فى شارع الخيامية، هذا الشارع الذى حمل اسم صنعة ظنها البعض أنها تندثر، لكن إصرار أحفاد العائلات التى احترفت المهنة طورها وجعلوها تعود بقوة حاملة اسم جديد يسمى "البادج ورك" هذا الفن القائم على قطع القماش الصغيرة التي تخرج من مصانع الملابس الجاهزة.
فى مدخل الخيامية، تبهرك تلك المناظر الطبيعية ذو الألوان الفسفورية، وهذا التناغم بين الألوان وما تحمله المناظر الطبيعية الخاصة، بكل يد رسمت هذه اللوحة، تراها قد تستغرق أيامًا وشهور لتخرج في النهاية للنور، وفرحة انتهاء التابلوه لا تضاهيها فرحة، فكأنها ميلاد لأحد أفراد العائلة، يضعها بجواره فخورًا بها.
في هذا الشارع الذى يعج بالمارة وبالسيارات وبالعمال يجلس محمود سليمان فروج، حفيد أحد أشهر العائلات التى عملت فى صناعة الخيامية والسرادقات والفراشة، جالسًا ممسكًا بقطعة قماش، دون أن يلتفت للمارة، مُركزًا فى قطعة قد لا تتجاوز حجم الإصبع الواحد، يحيكها بدقة متناهية، الواحدة تلو الأخرى، حتى ينتهى من رسمة صنعها من خياله.
محمود حاصل على بكالوريوس نظم ومعلومات، لكنه أصر على أن يعمل فى مهنة آبائه وأجداده، قائلاً: "الخيامية هى من تشغلنى ولست أنا من أعمل بالخيامية، أنا أعشق اللعب بالألوان والقماش وفن الخيامية، الأجانب يعرفونه ويسعون له ويستوردونه، ونحن أبناء 5 عائلات قررنا أن نطور الفن ليستمر، لأنه جزء من تراثنا المصري العتيق".
ويكمل محمود حديثه، أن هناك ورش عمل تتم في الخانة لتعليم الشباب والنساء فن البادج ورك، والخيامية لكن بالمناظر الطبيعية التي تحمل من تراثنا المصري فى الريف، أو التراث الشعبى للتنورة والمزمار البلدى، مؤكدًا أنهم أخذوا على عاتقهم مسئولية إحياء هذا التراث واستمراره.
بجوار محمود سليمان وبالقرب من الورشة الرئيسية جلس محمد بجاتو وأبوه الإثيوبيان يرسمان مناظر الخيامية، محمد بجاتو لم يتجاوز عمره 18 عامًا لكنه كان يرافق أبيه الذي جاء من ليبيا واستقر في مصر وحصل على دبلوم الصنايع وعمل فى مهنة الخيامية، ليكون الأجنبى الوحيد الذي يعمل فى مهنة مصرية 100".
بجاتو نور الأب أكد أنه عشق فن الخيامية، وكان يجلس بالساعات يراقب الفنان الفطري من أقطاب المهنة وهو جالس منحنى ينسج قطعة ديكورية تبهر كل من يراها، ليتعلم منه وقرر أن يشارك فى تطوير الفن الخيامية، بدمج التراث المصرى على منحوتات الخيامية والتابلوهات الطبيعية، ويضع لها الإخراج والتصميم والألوان ويجلس بقرب ابنه ليجعله أحد العاملين فى مهنة الخيامية.
محمد بجاتو وأبنوه ومحمود سليمان وغيرهم كثيرون، يتشبثون بمهنة الخيامية، لما تمتلكه من مهنة الفن والإبداع والجمال، وكل ما يحلمون به، أن يكون هناك منافذ للتسويق لدول العالم والحفاظ على هذه المهنة من الاندثار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة