النساء في مختلف أرجاء العالم يخضن العديد من المعارك في سبيل هدف واحد وصريح ألا وهو "نيل حقوقهن"، والإصرار على أنهن شريكات للرجل ولسن مجرد تابعات – كما قال النبي "إنما النساء شقائق الرجال" – لكن الغريب والعجيب أن من أشد المعارك التي تخوضها النساء على مستوى العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط ومن أكثرها دموية هو حقها بالحياة، عن طريق مجابهتها لما يُطلق عليه بـ "جرائم الشرف".
ومن المعارك الشرسة التي تخوضها المرأة في كل مكان بالعالم معركة الحفاظ على أرواحهن على الرغم من تقدمها خلال العقود الأخيرة فيما يخص شأن المرأة، ففي عام 2009، تم إطلاق "اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف"، ليكون بتاريخ 29 أكتوبر من كل عام، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى دعم النساء والفتيات المتضررات من ما يُطلق عليه "جرائم الشرف" بكل أنواعها وأشكالها.
علاقة سوريا بذلك اليوم
الذى لا يعلمه الكثيرون أن شرارة هذا اليوم العالمي التضامني الأولى، انطلقت بشكل رئيسى سوريا في يوم 29 أكتوبر من العام 2009، وذلك بعد أن ثارت النساء السوريات إثر صدور حكم من إحدى محاكم الجنايات في البلاد، ببراءة شخص أقدم على قتل شقيقته المتزوجة بكل وحشية ودموية، مُدعياً أنه فعل ذلك باسم "الشرف"، حيث أطلقت النساء السوريات وقتها حملة عالمية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتمكنوا من جمع عدد كبير من الأشخاص المؤيدين للحملة والرافضين لقرار المحكمة، وحينها تم الإعلان بأن يكون هذا التاريخ يوماً عالمياً تضامنياً مع ضحايا جرائم الشرف، وجاء تحت شعار "يوم لكي نتذكر أنَّ هذه الجريمة لن تصير تاريخاً أسود ما لم نقم جميعاً بمواجهتها من دون كلل ولا ملل، من دون تساهل ولا أعذار".
علاقة مصر بذلك اليوم
مصر لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة تلك الجرائم المتعلقة بـ"الشرف"، وذلك بعد أن انتشرت خلال العقود الماضية جملة "غسل العار" التي أصبحت إرثاَ مشيناَ لدى العديد من العائلات والقرى والنجوع بعد أن سيطر هاجس الخيانة والشك في الزوجة والابنة والأم أحياناَ دون التحقق من ارتكابهن لفعل "الخيانة" من عدمه، ما يجعلهم يقدمون على قتلهن باسم "الشرف".
جرائم الشرف في أرقام
إحصائيات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، منذ 5 أعوام كشفت أن 92% من جرائم قتل السيدات التي وقعت في الفترة الأخيرة تندرج تحت ما يسمى بجرائم الشرف، التى يرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على الشرف وغسل العار، وأن 70% من هذه الجرائم ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم، أما نسبة الـ 3% الباقية من جرائم الشرف فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم.
تلك الإحصائية التي كشفت أيضاَ عن أن 70% من جرائم الشرف لم تقع فى حالة تلبس واعتمد على ارتكبها سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ على الشائعات وسوء الظن، وهو ما أكدته تحريات المباحث فى 60% من هذه الجرائم، كما ارتكبت 52% من هذه الجرائم بواسطة السكين أو المطواة أو الساطور، وأن 11% منها تمت عن طريق الإلقاء من المرتفعات، وحوالى 9% بالخنق سواء باليد أو الحبال أو الإيشارب و8% بالسم و5% نتيجة إطلاق الرصاص و5% نتيجة التعذيب حتى الموت، فيما تساوت الحالة الاجتماعية للضحية العزباء والمتزوجة بنفس النسبة 42%، فى حين كان 39% من الجناة متزوجين، كما كان ضحايا جرائم الشرف سنويا من 900 لـ 2000 جريمة.
ضرورة وجود تشريع مغلظ للحد من ظاهرة جرائم الشرف
تقول رباب عبده المحامية ومسئول ملف المرأة بالجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، أن من ضمن القصور الموجود في التشريعات والتي تساهم بشكل كبير في زيادة جرائم الشرف هي أن قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 لم يقر بمعالجة جريمة قتل الزوجة المتلبسة بـ"الزنا" في أي مادة من مواده، وهذا في الحقيقة يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وجميع الديانات السماوية، ولذلك يتوجب على رجال القانون والدستوريين تناول هذه المسألة التي تعتبر جزءا من الواقع الاجتماعي والذي يتعرض لمثل هذه الجرائم بشكل دائم.
وفقا لـ"عبده" فى تصريح لـ"اليوم السابع" فإن المادة 237 من قانون العقوبات المصري تنص على أنه: "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة في المادتين 234 الخاصة بالقتل العمد وعقوبته الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة"، و236 الخاصة بالضرب المفضي إلي موت وعقوبته الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن من ثلاث إلي سبع سنوات".
ضرورة تعديل القانون من جنحة لـ"جناية"
وتلك المواد – بحسب "عبده" - تحتاج نظر حيث أن هذا النص لا يشكل عذرا مخففا للعقاب لأن العذر المخفف لا يغير من وصف الجريمة ولا من نوعها، ولكن جريمة قتل الزوجة تغير وصفها من جريمة جنائية إلى جريمة جنحة، وذلك بناءا علي عقوبة الحبس التي تنص عليها المادة بدلا من عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، كما أن الزوج إذا ضبط زوجته مع عشيقها يستفيد من التخفيف في العقوبة، حيث قد تصل عقوبته إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وتعد هذه المادة هي الوحيدة التي تنص على عقوبة مخففة في جريمة القتل.
كما أن إثبات جريمة الزنا من الأمور الصعب تحقيقها، حيث حددتها الشريعة بإشهاد 4 أشخاص وأن يراهما متصلين كالعود في المكحلة والقلم في المحبرة، لكن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى وجود علاقة تثبت الخيانة مثل وجود مراسلات بين الزوجة وعشيقها، وخلاف ذلك فإن كل حالات القتل تعد جناية قتل عمد ويحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام.