يدهشني رفض البشر للمنفى، او كما وصفه هيثم حسين (روائي من سوريا مقيم في اسطنبول) بالعقوبة المتجددة.
و كيف أخذ المنفى من حيز كبير في تاريخ ثقافات الأمم...
فهنا أبطال منفى كسعد زغلول، و نيلسون مانديلا....
و هنا ضحايا منفى كعائلة الرئيس سيلفادور الليندي، و ابنة قيصر روسيا الضائعة....
و هناك إبداعات منفى كجوزيف كاميرون و إدوارد سعيد....
و هناك عاشقوا منفى كأبطال كتاب بهاء طاهر " الحب في المنفى".
أما أكثرهم انتشاراً و أكثرهم لا يذكرون هم منفيين كل يوم، من يشعرون بالاغتراب تحت جلودهم و بين عروقهم..... بين كل نفسٍ و الأخر.....
- فهذا يعيش المنفى منذ غادر منزل والديه.
- و هذه تعيش منفاها منذ رحل عن عالمها حبيبها.
- و هذا يعيش المنفى منذ رحيل صديقه العزيز.
- و هذا يعيش منفاه يوم تخلى عن مبادئه لأجل متاع الدنيا.
- و تلك تعيش منفاها منذ رحيل إبنها عن الدنيا...
- و هذا و هذه، و ذاك و تلك يتجرعون المنفى كل يوم....يشعرون بالمنفى ثقيلا .... ثقيلاً جداً على صدورهم، على ظهورهم، و يحملونه كل اكتافهم.... كل يوم.
- و لا زال منفى الوطن صاحب النصيب الاكبر في اوجاع البشرية.
و لكن!
عارٌ علينا يا بشر أن نخدع أنفسنا، و نترك خدعة قديمة كقدم خلقنا تنسينا أصل ما كان....
أن نصدق أننا نعيش منفى جديد هنا و هناك، أننا نتألم، أنها تجربة قاسية..... أنها تنزع الروح و تقتلها.... أن يغرس داخلنا بقسوة الحدث، و أن نفعل كل جهدنا لنقاومه و نرفضه.
أيا كائن النسيان الدائم، كيف لك أن تنسى بأنك متحدر من نسل أول المنفيين.
عزيزي:
كتب عليك النفي ليوم الدين، فما تظنه حياة تبحث فيها عن سكن... تبحث فيها عن وطن.... ما هي إلا منفىً كبير.
فجدك الأكبر حين تناول الفاكهة المحرمة كتب على نفسه و على كل أبنائه وصولاً إليك وإلى من بعدك من سلسالك بالنفي.
كتب عليك النفي....
فلا تخف حين تغادر بيتاً، فليس هذا ببيت...
لا تجزع حين تغادر وطناً، فليس هذا بوطن....
و لا تحزن حين تغادر قلباً، فليس هذا بقلب.
كتب عليك النفي من قبل و من بعد.... و إلى يوم ترجعون.
فبدلا من أن تعيش منفى حزينا أليما، إبن لنفسك وطنا و بيتاً أينما حللت.... فكل هذا مؤقت ،لأن بيتك الحقيقي و وطنك الذي خلقت فيه هو جناته، فهناك خلقنا، نحن كائنات جنوية....
نحمل جنسية الجنة رغم المنفى....
نحمل بطاقة هويتها في قلوبنا و أرواحنا رغم المنفى....
نحمل روائحها و ألوانها في خيالاتنا رغم المنفى....
يذكرنا جل جلاله بها في كل كتبه السماوية..... رغم المنفى.
الخدعة دوماً انك تشعر بأنك: أول المنفيين..... و أنت يا عزيزي لست أول المنفيين...... و لا آخرهم.
شكراً
آخر الكلام:
" بات صعباً تحديد موطن الناس، المنفى اتسع، الأرض كلها صارت منفى"
وديع سعادة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة