هند أبو سليم

يا أَوْلَ المَنْفِيينْ

الخميس، 29 أكتوبر 2020 04:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يدهشني رفض البشر للمنفى، او كما وصفه هيثم حسين  (روائي من سوريا مقيم في اسطنبول) بالعقوبة المتجددة.

و كيف أخذ  المنفى من حيز كبير في تاريخ ثقافات الأمم...

 

فهنا أبطال منفى كسعد زغلول، و نيلسون مانديلا....

و هنا ضحايا منفى كعائلة الرئيس سيلفادور الليندي، و ابنة قيصر روسيا الضائعة....

و هناك إبداعات منفى كجوزيف كاميرون و إدوارد سعيد....

و هناك عاشقوا منفى كأبطال كتاب بهاء طاهر " الحب في المنفى".

أما أكثرهم انتشاراً و أكثرهم لا يذكرون هم منفيين كل يوم، من يشعرون بالاغتراب تحت جلودهم و بين عروقهم..... بين كل نفسٍ و الأخر.....

- فهذا يعيش المنفى منذ غادر منزل والديه.

- و هذه تعيش منفاها منذ رحل عن عالمها حبيبها.

- و هذا يعيش المنفى منذ رحيل صديقه العزيز.

- و هذا يعيش منفاه يوم تخلى عن مبادئه لأجل متاع الدنيا.

- و تلك تعيش منفاها منذ رحيل إبنها عن الدنيا...

- و هذا و هذه، و ذاك و تلك يتجرعون المنفى كل يوم....يشعرون بالمنفى ثقيلا .... ثقيلاً جداً على صدورهم، على ظهورهم، و يحملونه كل اكتافهم.... كل يوم.

- و لا زال منفى الوطن صاحب النصيب الاكبر في اوجاع البشرية.

 

و لكن!

عارٌ علينا يا بشر أن نخدع أنفسنا، و نترك خدعة قديمة كقدم خلقنا تنسينا أصل ما كان....

أن نصدق أننا نعيش منفى جديد هنا و هناك، أننا نتألم، أنها تجربة قاسية..... أنها تنزع الروح و تقتلها.... أن يغرس داخلنا بقسوة الحدث، و أن نفعل كل جهدنا لنقاومه و نرفضه.

 

أيا كائن النسيان الدائم، كيف لك أن تنسى بأنك متحدر من نسل أول المنفيين.

 

عزيزي:

كتب عليك النفي ليوم الدين، فما تظنه حياة تبحث فيها عن سكن... تبحث فيها عن وطن.... ما هي إلا منفىً كبير.

 

فجدك الأكبر حين تناول الفاكهة المحرمة كتب على نفسه و على كل أبنائه وصولاً إليك  وإلى من بعدك من سلسالك بالنفي.

 

 

كتب عليك النفي....

فلا تخف حين تغادر  بيتاً، فليس هذا ببيت...

لا تجزع حين تغادر وطناً، فليس هذا بوطن....

و لا تحزن حين تغادر قلباً، فليس هذا بقلب.

 

كتب عليك النفي من قبل و من بعد.... و إلى يوم ترجعون.

 

فبدلا من أن تعيش منفى حزينا  أليما، إبن لنفسك وطنا و بيتاً أينما حللت.... فكل هذا مؤقت ،لأن بيتك الحقيقي  و وطنك الذي خلقت فيه  هو جناته، فهناك خلقنا، نحن كائنات جنوية....

نحمل جنسية الجنة رغم المنفى....

نحمل بطاقة هويتها في قلوبنا و أرواحنا رغم المنفى....

نحمل روائحها و ألوانها في خيالاتنا  رغم المنفى....

يذكرنا جل جلاله بها في كل كتبه السماوية..... رغم المنفى.

 

الخدعة دوماً انك تشعر بأنك: أول المنفيين..... و أنت يا عزيزي لست أول المنفيين...... و لا آخرهم.

 

شكراً

 

آخر الكلام:

" بات صعباً تحديد موطن الناس، المنفى اتسع، الأرض كلها صارت منفى"

وديع سعادة.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة