الكلمات أيضا لها موسيقاها الخاصة التى تصنعها فى الأذن، فكلما كان الأديب متمكنا من أدواته، كلما استطاع التحكم فى إيقاعات الكلمات وتناغمها، وصنع من نصوصه مقطوعات موسيقية، ولذلك اتفق الكثيرون أن ثمة علاقة تربط بين الأدب والموسيقى، وبين الشعر والموسيقى، ولأن الكلمات أيضا تصنع موسيقاها فلم يكن غريبا أن نجد بعض الكتاب لهم تجارب مع عزف الآلات الموسيقية وصلت إلى حد الاحتراف فى بعض الأحيان، فى هذا التقرير نعرض أشهر الأدباء الذين كانت لهم تجارب مع العزف على آلات موسيقية:
مى زيادة
وفقا للأديب الجزائرى واسينى الأعراج، كانت مى متعددة المواهب بالإضافة إلى موهبة الكتابة المعروفة، فقد كانت رسامة، كلما انتابها حزن، أو غضب، أو سوداوية، ذهبت مباشرة نحو الألوان.. الألوان تخفف ظلمة الروح، وقد تذهب أيضًا، فى حالات القلق القصوى بسبب كآبتها المزمنة، نحو الموسيقى، كان لديها بيانو ظل يصاحبها فى حياتها القصيرة نسبيًا، كانت تعزف عليه الكثير من كلاسيكيات الموسيقى الغربية التى كانت متعلقة بها.. تعلمت مى العزف على البيانو فى مختلف الأديرة التى وضعها فيها والداها، والتى كانت تحتوى فى أغلبها على بيانو وتنشد على إيقاعه البنات الصغيرات أو شابات الأديرة الأناشيد المقدسة، كانت مى تحب عزف سيمفونية كارمن سيلفا الحزينة التى ألفها يوسف ايفانوفيتشى (1845-1902) فى سنة 1892، ارتبطت مى بشخصية كارمن سيلفا (إليزابيث باولين أوتيللى لويز دو ويلد، ملكة رومانيا) كثيرًا، وكتبت عنها فى الكثير من المرات، فى تعاطف ظاهر.
باسترناك
فى بداية حياته كرس الأديب الروسى بوريس باسترناك حوالى ست سنوات من عمره لدراسة الموسيقى، حيث كانت والدته روزاليا كوفمان عازفة بيانو ومدرسة موسيقى، وتوقع الكثيرون من المحيطين به أن ينبغ فى هذا المجال، لكنه كان دائما يخشى نقص مهاراته التقنية، فدخل قسم الفلسفة فى جامعة موسكو عام 1909 وتخرج فيه أواخر عام 1912، وسافر إلى ماربورج رغبة منه فى متابعة دراسته العليا، لكنه تخلى عن ذلك لأجل الشعر، وكانت موهبته فى هذا المجال قد بدأت بالظهور عام 1909 بتأثير نخبة من الشعراء، منهم راينر ماريا ريلكه الذى كان قد زار منزل الشاعر وهو طفل لأكثر من مرة.
نجيب محفوظ
يعد الأديب العالمى نجيب محفوظ أشهر الذين عرفوا العزف على الآلات الموسيقية، حيث إنه وأثناء دراسته فى كلية الآداب كان مغرما بدراسة فلسفة الفنون أو علم الجمال، ومن هنا قرر دراسة الموسيقى علميًا على أمل أن يصل إلى فلسفة الجمال فيها، فالتحق محفوظ بمعهد الموسيقى العربية واختار آلة "القانون" وانتظم فى حضور الدروس وتعلم قراءة النوتة الموسيقية حتى تنبأ له معلمه بمستقبل كبير بين عازفى القانون، إلا أنه بعد عام من دراسته اكتشف أنه لم يصل إلى أى شيء مما تصوره عن علم الجمال وارتباطه بالموسيقي. وفى مقتبل حياته أحب الصحافة وأصبح حلمه ان ينشر له شيء من كتاباته.
أومبرتو إيكو
إيكو المعروف كمثقف يسارى لم يكن كاتباً منغلقاً داخل برج عاجى بل إن هذا الأديب الذى أجاد العزف على مزمار الكلارينيت كان يكتب دوريا فى مجلة "ليسبريسو" الإيطالية، ورغم تكيفه السهل مع العالم المعاصر واستخدامه التكنولوجيا من حاسوب وشبكات عنكبوتية، لم يحل ذلك دون انتقاده ما آلت إليه الأمور فى هذا الزمن التكنولوجى، فقد كان لسانه لاذعاً مع ما سمحت به التكنولوجيا من شذوذ، إذ كان إيكو مؤمناً بمؤامرات الشبكات العنكبوتية ووسائل التواصل وبأثرها البلغ فى حياة الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة