أفتى قاضى القضاة فى مصر, وكان على المذهب الشافعى، بعدم جواز إقامة خطبتين للجمعة فى بلدة واحدة، فأبطل صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر، واكتفى بها فى جامع الحاكم بأمر الله، وفقا لما يذكره الدكتور محمد عبدالعزيز الشناوى، فى كتابه «الأزهر جامع وجامعة».
صدرت الفتوى بعد سقوط الدولة الفاطمية، وإقامة الدولة الأيوبية على يد صلاح الدين الأيوبى، وجاءت ضمن مخططه لإحياء المذهب السنى فى مصر والقضاء على المذهب الشيعى مذهب الدولة الفاطمية، يذكر الدكتور محمد عبدالله عنان فى كتابه «تاريخ الجامع الأزهر»، أنه حين انهارت دعائم الدولة الفاطمية أيام «العاضد لدين الله» آخر الخلفاء الفاطميين، وتولى صلاح الدين وزارة العاضد باسم الملك الناصر، واستأثر بالأمر، عمد إلى إزالة شعائر الدولة الفاطمية وكل رسومها وآثارها المذهبية، فقطع اسم «العاضد» من الخطبة ودعا للخليفة العباسى، وأبطل من الآذان: «حى على خير العمل»، وعزل قضاة الشيعة، وعين فى منصب قاضى القضاة قاضيا شافعيا هو «صدر الدين عبدالملك ابن درباس»، وجعل له نوابا من القضاة الشافعية، فكان ذلك إيذانا بانتشار المذهب الشافعى فى مصر.
يرى «الشناوى» أن فتوى إبطال صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر كانت سياسية، لأنه كان المسجد الرسمى للدولة، وتقام فيه معظم الصلوات التى يحضرها الخليفة فى المناسبات الرسمية والأعياد الدينية، يضيف: «كان المقصود بالفتوى طمس أهمية الأزهر فى أذهان الجماهير، لأنه كان يقترن فى عقول الناس بالدولة الفاطمية»، يؤكد: «حققت الدولة الأيوبية أهدافها من تعطيل صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر، إذ انصرفت جموع المصلين عن هذا الجامع أيام الجمعة، وأصبح سكان القاهرة لا يذكرون إلا «الجامع الحاكمى»، تتجه إليه أعداد كثيفة أيام الجمعة بعضهم للصلاة فيه، والبعض الآخر من النساء والصبية يقف لمشاهدة موكب الصوفية إلى الجامع الحاكمى، يمتعون أنظارهم بمنظرهم الفريد».
يضيف الشناوى، أنه لم يتم الاكتفاء بحرمان الجامع الأزهر من صلاة الجمعة وفقط، وإنما قطع صلاح الدين عنه موارده المالية، واستولى الناس على الكثير من الأوقاف التى خصصها «الحاكم بأمر الله» للجامع، وتعرض بناؤه للتصدع مع طول سنوات تعطيل صلاة الجمعة فيه واستمرت 98 سنة.
أدت سياسة الأيوبيين إلى تخلف الجامع الأزهر عن مساجد القاهرة طوال سنوات حكمهم، و17 سنة من حكم المماليك، وفقا للشناوى، مضيفا، أنه فى عام 1267 أيام حكم الظاهر بيبرس «الأول»، بدأ اختلاف الحال، حيث سعى نائب السلطنة الأمير عز الدين أيدمر الحلى، لإعادة الصلاة إلى الأزهر، وكان يقيم فى قصره المجاور للجامع من الجهة الغربية البحرية، وتحدث مع «بيبرس» فى إصلاح الجامع فلقى منه استعداد طيبا، وأمده بالمال الوفير، وتبرع نائب السلطان بمبالغ كبيرة من ماله، وشرع فى عملية ترميم شاملة، ولقى أيضا استعدادا من بعض الأمراء للإسهام معه فى عملية إصلاح الجامع، لتشمل إنشاء منبر ومقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعى، ورتب فى المقصورة أيضا مدرسة للحديث، وسبعة قراء لتلاوة القرآن الكريم، واسترد نائب السلطنة الأوقاف التى كانت محبوسة للجامع، واغتصبها بعض الناس أثناء الحكم الأيوبى.
ترقب الجميع بعد ذلك الخطوة الكبيرة، وهى إعادة صلاة الجمعة فى الجامع، واستفتى نائب السلطنة علماء الدين، وحسب الشناوى، فإنهم انقسموا إلى فريقين، فريق أفتى بإعادتها، وفريق عارض، وكان على رأس المعارضين قاضى القضاة «تاج الدين بن بنت الأعز» الذى أصر على موقفه رغم حديث السلطان «الظاهر بيبرس» معه، ورأى نائب السلطنة الأخذ برأى الموافقين، وطلب من السلطان أن يحضر صلاة الجمعة، يوم 18 ربيع الأول سنة 665 هجرية، 17 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1267 ميلادية، لكن «بيبرس» امتنع ما لم يحضر قاضى القضاة.
أقيمت الصلاة حسب موعدها، ويذكر «الشناوى» نقلا عن «الخطط المقريزية»، و«الخطط التوفيقية» لعلى مبارك، وصف الحالة فى هذا اليوم، قائلا: «كان يوما مشهودا اشترك فى الصلاة عدد من الأمراء والأكابر، وبعد الفراغ من أداء الصلاة أقيم داخل الجامع حفل دينى تلا فيه القراء ما تيسر من القرآن الكريم، ثم صاحب الأمير عز الدين «نائب السلطنة» كبار المصلين إلى داره حيث أقيمت لهم وليمة غداء فاخرة، ابتهاجا بعودة الحياة الطبيعية إلى الجامع الأزهر، وقدم لهم كل ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين، وشعر سكان منطقة الجامع بعد صلاة الجمعة فيه بالرفق والراحة لقربه من الحارات البعيدة عن الجامع الحاكمى».