قبل العاهل السعودى الملك فيصل، دعوة الرئيس جمال عبدالناصر التى حملها إليه الوزير عباس حسن زكى، لزيارة القاهرة، وتحدد لها يومى 18، و19 ديسمبر عام 1969، حسبما يذكر عبدالمجيد فريد، فى كتابه «من محاضر اجتماعات عبدالناصر العربية والدولية، 1967 - 1970»، كان «فريد» يحضر اجتماعات عبدالناصر باعتباره أمين رئاسة الجمهورية، ويقوم بتسجيل وتدوين محاضرها، ومنها المحاضر الخاصة بهذا اللقاء.
يؤكد «فريد» أن هذه الزيارة كان لها مغزى خاص، إذ جاءت بعد فترة عداء سافر بين البلدين، كانت ذروتها حرب اليمن، كما أنها جاءت قبل انعقاد مؤتمر القمة العربى فى الرباط، والذى تكهنت دوائر سياسية بانفجار الموقف العربى خلاله، لوجود العديد من المشاكل خصوصا بين السعودية ومصر.
يضيف فريد، أن عبدالناصر كان حريصا على نجاح زيارة «فيصل»، ويكشف: «كانت أوامره المحددة له بصفتى أمينا عاما للاتحاد الاشتراكى فى العاصمة، التنظيم السياسى الوحيد فى مصر آنذاك، على ضرورة استقبال الملك فيصل استقبالا شعبيا حافلا»، يؤكد: «تمكنا من ذلك بعد حوار ساخن مع كوادرنا السياسية، واسترعت انتباه الكثيرين صورة الملك فيصل وهو واقف فى السيارة المكشوفة بجوار عبدالناصر يحى جماهير القاهرة التى خرجت عن بكرة أبيها لاستقبال ضيف مصر الكبير».
يتذكر «فريد»، أن «الدقائق الأولى فى أول لقاء بين الوفدين يوم 18 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969، كانت حرجة وحاسمة»، يضيف: «جلس أعضاء الوفدين فى مواجهة بعضهما البعض، ومرت فترة صمت قصيرة، ولكنها مرت كأنها سنين طوال، فالحوار كان مقطوعا بين الجانبين منذ سبع سنوات، وكانت بينهما حرب ساخنة، ولعل الصمت كان مرجعه أن أحدا من الجانبين لا يعرف بالضبط من أين يبدأ، وخيل إلى وأنا جالس خلف عبدالناصر أن الصمت سيمضى إلى الأبد، لكن عبدالناصر قطعه فجأة، مرحبا، ومعبرا عن الرغبة الصادقة لنجاح هذه اللقاء، وقال: نحاول من جانبا تحسين العلاقات منذ 1967، ورحب شعبنا بذلك، كما عبر لكم اليوم عندما استقبلكم هذا الاستقبال الحافل، لأنه شعر أن هناك علاقات غير طبيعية معكم، وأن المصلحة العربية تنادى بضرورة عودتها إلى الطريق الطبيعى، خصوصا وأن العلاقات المصرية السعودية كانت دائما وعلى مر السنين علاقات متينة تسودها الأخوة، ولا شك أن هذا اللقاء وزيارتكم سيقطعان الطريق على كل المستفيدين من هذا الخلاف، وإذا كانت حرب اليمن أساءت للعلاقات بيننا، فقد انتهت الحرب الآن، ولم يعد هناك مبرر لعدم تحسين ونمو العلاقات بيننا».
رد الملك فيصل، شاكرا على الترحيب الرسمى والشعبى، وقال لعبدالناصر: «جميع ما تفضلتم به بشأن العلاقات بيننا هو الصواب، والخلاف بيننا كان أمرا شاذا، ومنذ أيام الملك عبدالعزيز والعلاقات بيننا كانت طبيعية وقوية، أما ماحدث بعد ذلك فهو أمر غير طبيعى، وأقول دائما أن أى خلاف يحدث بين طرفين فلابد وأن هناك طرفا ثالثا وراء هذا الخلاف».
كرر عبدالناصر قوله بأن حرب اليمن منذ عام 1962 أثرت كثيرا على العلاقات المصرية السعودية، وقال، إن القمة العربية فى الخرطوم، أغسطس 1967، تاريخ فاصل فى العلاقات بيننا، وكشف أنه أصدر تعليماته من وقتها إلى جميع أجهزة الحكم فى مصر بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى بلد عربى، وأن كل الجهود تتركز فى محاربة إسرائيل فى كل الميادين، وأضاف «عبدالناصر»: «أرسلت الوزير حسن عباس زكى ليوضح لكم سياستنا فى جميع المجالات، لكنه أبلغنى بعد عودته عن المخاوف والشكوك التى ما زالت تساوركم عن نشاط بعض أجهزتنا، وقلت له أن يبلغكم أن أى فرد سيخرج عن تعليماتى فى هذا الخصوص سأحاكمه قبل أن تحاكموه، وأرجو عدم إغفال حقيقة مهمة، وهى أن هناك دائما أفرادا يحاولون وسيحاولون تعكير الجو بيننا».
رد «فيصل»، أنهم بالفعل ما زالت لديهم «رواسب»، وأكد: «هناك بعض الذين يسعون لتوسيع شقة الخلاف بيننا»، وتحدث عن أن هناك أشخاصا تم القبض عليهم فى المملكة، وادّعوا أنهم على صلة بأفراد وأجهزة فى مصر، وهناك أيضا مجموعة قليلة العدد من الشيوعيين ويرددون أن لهم علاقات واتصالات مع مصر.
رد عبدالناصر بتأكيده على عدم وجود فروع حزبية للنظام المصرى فى الخارج، وقال: «لم نوافق على إنشاء قيادات قُطرية لنا فى البلاد العربية مثل حزب البعث»، يتذكر «فريد»، أن فى هذه اللحظة رد فيصل بانفعال شديد: «حزب البعث؟! الله يخرب بيت حزب البعث»، استكمل «عبدالناصر»: «وحتى بالنسبة للمنظمات الفدائية الفلسطينية رفضنا أن تكون لنا تشكيلات تتبعنا، أما وضعنا بالنسبة للشيوعية فيعرفه العالم بأكمله شرقه وغربه، نحن لسنا شيوعيين أو فرعا لحزب شيوعى».
.. وتواصلت المناقشات.