لكل الأجيال المولودة فى فترة السبعينيات والثمانينيات وما قبلها، نتذكر جميعا شخصية "فراش" المدرسة، عم محمد، عم محفوظ، عم سالم... أسماء مختلفة نتذكرها جميعا، فقد كان هؤلاء جزء من المدرسة، وما يقدمونه من عمل وجهد له عظيم الأثر في التعريف بمعنى النظافة والنظام والمحافظة على المدرسة وعدم إلقاء القمامة على الأرض، فقد كان الفراش يتولى كل ما يتعلق بالنظافة فى المدرسة، بداية من كنس الفصول وجمع الأوراق وتوفير السلال، وضبط المقاعد الخشبية وإصلاحها، وتمهيد الفناء قبل انعقاد طابور الصباح.
وعلى حد علمى ومعرفتى، فقد كان أغلب هؤلاء الفراشين والعمال من الجنود الذين شاركوا فى حروب مصر المختلفة، سواء اليمن، أو الاستنزاف، أو أكتوبر 1973، وتم تعيينهم في مدارس الجمهورية والوحدات المحلية، طبقا لمحل إقامتهم، وبعضهم كان يحمل الشهادة الابتدائية، والبعض الآخر كان بدون أي شهادة، لكنهم كانوا جيلا ذهبيا، تعلمنا منهم النظافة والنظام، وكنا نراهم جزءً من العملية التعليمية.
للأسف فوجئت من خلال حديث عابر مع أحد الأصدقاء فى مجال التعليم بأن مدارسنا فى القرى والأرياف لم يعد بها فراشين وعمال، وباتت تعتمد على عمال من الخارج، يتم التبرع لهم بمبلغ من ميزانية المدرسة، أو من مرتبات المعلمين والإداريين من أجل تنظيف الفصول، ومراعاة حالة النظافة داخل المدرسة، بعدما خرج أغلب العمال والفراشين من المدارس خلال السنوات الماضية عقب بلوغهم سن المعاش، ولم يتم تعيين بدلاء لهم أو السعى للتعاقد مع آخرين.
بالطبع لا يمكن أن تكون المدارس الحكومية خالية من الفراشين والعمال، فلو أن مدرسة بها 15 فصلا على سبيل المثال، تحتاج إلى عاملين على الأقل لمراعاة حالة النظافة داخل هذه الفصول يوميا، خاصة فى الأيام التى نعيشها، وانتشار فيروس كورونا، والأمراض المعدية، التى تنشط فى الشتاء، والحفاظ على النظافة العامة والشخصية جزء منها، بالإضافة إلى أن دورات المياه في المدارس لا يمكن أن تترك دون متابعة أو عمال مسئولين عنها بصورة دورية، لذلك على وزارة التربية والتعليم أن تطرح تعاقدات لعمال دائمين فى مجال نظافة المدارس والفصول، وهذا جزء أصيل من العملية التعليمية، لا أن يُترك الموضوع لتقدير مدير المدرسة أو المعلمين، الذين يقتطعون من رواتبهم شهريا من أجل نظافة المدرسة، هذا أمر يحتاج إلى دراسة من وزارة التربية والتعليم، فكما نعلم أن الحمل ثقيل وهذه ليست حالة عامة في كل المدارس، إلا أنها موجودة وتحتاج لتخطيط ومتابعة.