آثار وخيمة تركها فيروس "كورونا" على الاقتصاد الصينى الكبير الذى يأتى فى الترتيب الثانى بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حين خيم بظلال كثيفة على مدينة "ووهان" الصناعية الكبرى، وعلى مجمل المدن من العاصمة حتى آخر طرف فى بلد تزيد مساحته على 9.6 مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانه يقترب من 1.4 مليار نسمة، وقد جاء هذا الفيروس اللعين بمثابة ضربة هى الأكبر بالنسبة لجيران الصين حيث منع سفر المواطنين للخارج أو حظر استقبالهم بمطارات العالم.
وإذا كانت الصين هى مصنع العالم، فولاية "ووهان" - أكبر المدن تأثرا بالفيروس - هى عاصمة هذا المصنع، لإن "ووهان" هى قلعة صناعية ضخمة تقع بداخل مقاطعة "هوباي" جنوب بكين فى وسط شرق الخريطة الصينية، وتساهم المدينة - بحسب تقرير محترم ومهم للباحث "محمد نجم" عن آثار وتداعيات أزمة "فيروس كورونا" على الاقتصاد الصينى والعالمى - بـ : 78% من صادرات الصين ، و33% من الناتج المحلى الصيني، و 90% من عمليات صهر النحاس، و 65% من عمليات تكرير النفط، و60% من عمليات انتاج الصلب، و40% من عمليات انتاج الفحم، مايعنى أن الخسائر جمة وهو مايؤشر بأن هنالك مؤامرة خبيثة على هذا البلد الذى سجل معدلات نمو كبيرة خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث تمكن من تحقيق نمو اقتصادى مطرد، واستطاع التحول من المركزية المحلية ليصبح أكثر انفتاحا على العالم ويعتمد على التجارة الدولية.
أكبر خسارة جاءت على مستوى السياحة، حيث تأثر جزء من الـ 257 مليار دولار التى ينفقها السائحين الصينيين حول العالم سنويا، بحسب منظمة السياحة العالمية، وهو أكثر من ضعف ما ينفقه السائحين الأمريكيين، ويتجاوز ما ينفقه سياح فرنسا وبريطانيا وألمانيا مجتمعين، ومن بعد السياحة تأثرت قطاعات كبيرة فى البلاد منها "المطاعم والفنادق، المصانع ومبيعات الجملة، مبيعات التجزئة والمحال التجارية، الطيران والنقل، الأطعمة والمشروبات، المزارع والفلاحة، أسواق الأسهم وبعض العملات، أسواق المعادن والنفط والغاز، فضلا عن أسعار المواد الخام والغذاء.
أزمة "كورونا الحالية التى تمر بها الصين لاتشبه أزمة "سارس" فى 2003 على الإطلاق، لان الصين فى 2003 لم تكن مؤثرة بالاقتصاد العالمى مثل الصين فى 2020، ففى 2003 كانت الصين سادس أقوى اقتصاد بالعالم بناتج محلى يقدر بـ 1.6 تريليون دولار، أما اليوم فى 2020 الناتج الصينى يقارب الـ 14 تريليون دولار وتحتل المركز الثانى بعد الولايات المتحدة، أيضا فى 2003 كان تعداد السائحين الصينيين لكل دول العالم يبلغ 20 مليون فقط، اليوم وصل الى 150 مليون سائح، إضافة إلى أن الاقتصاد الصينى كان نموه ومحركات توسعه أكثر مناعة وصلابة من الوضع الحالي، بدليل إنه وأثناء أزمة "السارس" لم يشهد النمو الصينى انخفاضا يذكر.
هذا الكلام يعنى أن خسارة الصين الحالية تنعكس آثارها الوخيمة على غالبية دول العالم التى بينها وبين الصين تمثيل تجارى يدفع عجلة الاقتصاد فى تلك الدول التى تصدر للصين وتستورد منها، وربما كانت دول "الفلبين، تايلاند، هونج كونج ، تايوان، سنغافورة، ماليزيا ، إندونيسيا، أستراليا، اليابان، كوريا" هى الأكثر تضررا جراء تلك الأزمة.
ومما لاشك فيه أن الاقتصاد العالمى يعانى الأمرين بسبب عدة أزمات أصابته فى السنوات الأخيرة، أبرزها على سبيل المثال : "الديون، الإرهاب العابر للحدود، الهجمات السيبرانية، ملف ايران النووي، الأزمة التجارية بين القوى الكبرى ودعوات الحمائية، المظاهرات من "هونج كونج إلى تشيلي"، "البريكسيت" والاضطرابات داخل أوروبا، التوترات الجيوسياسية، خاصة مناطق "مضيق هرمز وبحر الصين الجنوبى وشرق المتوسط"، وبالتالى فإن كارثة "كورونا" لم تقدم لنا سوى مزيد من اليقين باستمرار دوراننا فى حالة عدم اليقين والضبابية.
ولأن الأزمة على مايبدو تخضع لنظرية المؤامرة على واحد من ثانى أكبر الاقتصادات العالمية، فإن هناك شبهة تدخل غير من مباشر من جانب لوبى الأدوية الذى تديره شركات ومؤسسات عالمية متوحشة، وفى هذا الصدد تقول الدكتورة "ناهد الديب"، دكتوراة الصحة العامة - جامعة ماريلاند الأمريكية، أن "كورونا" هو نوع عجيب من الحروب، فهى صامتة باردة، لا تترك شظايا أو رائحة، ولا تملأ الجو دخاناً أو بارودا، ولا تخلف وراءها آثار تدمير، هى حرب لا ترى فيها فوهة مدفع، ولا دانة دبابة، ولا صاروخاً موجها!!، إنها سلاح العصر الفتاك والأكثر شراسة، إنها الحرب البيولوجية، فيمكنك بكل بساطة عن طريق إطلاق عدوى ما بأحد الفيروسات أو الجراثيم أن تهزم دولاً بأكملها وتدمر اقتصادها وتشل حركتها وتعلن فيها حالة الاستنفار القصوى كما لو أنها فى حالة غزو خارجي.
والمتابع لما يحدث فى الصين - على حد قول "الديب" - الآن نتيجة العدوى بفيروس كورونا "الجديد"، والمنتمى لسلالة متلازمة "سارس" إلا أن "كورونا" الجديد تم تطويره لينتقل بين الأشخاص، وليس فقط من الحيوان للإنسان، المتابع لذلك سوف يفهم مغزى تلك الحرب البيولوجية الحالية، والتى يطلق عليها أيضا الحرب الجرثومية أو الميكروبية، وهى تصنّف ضمن أسلحة الدمار الشامل، ولا تقل شراسة عن الحرب النووية والكيميائية، بل هى أخطرهم لأنها أقلهم تكلفة وأوسعهم انتشارا وأبطأهم احتواءً.
فالأسلحة النووية والأسلحة الكيميائية تحتاج تكلفة مادية عالية وأماكن للتصنيع ذات مواصفات خاصة، وتحتاج علماء وخبراء على أعلى مستوى من التخصص، فى حين أنك تستطيع تصنيع ترسانة كاملة من الأسلحة البيولوجية فى زمن قصير وكل ما تحتاج إليه هو غرفة معمل وبكتيريا معدية، فخلية البكتيريا التى تنقسم كل عشرين دقيقة تستطيع إنتاج مليار نسخة جديدة خلال عشر ساعات فقط مما يجعل زجاجة واحدة من البكتيريا المعدية قادرة على القضاء على مدينة بحجم واشنطن الأمريكية أو ووهان الصينية.
وتختتم الدكتورة "ناهد الديب" قولها بجملة غاية فى الخطورة والأهمية تدلل من خلالها إلى قدم تلك الحرب البيولوجية قائلة: "مخطئ من يظن أن الحرب البيولوجية وليدة العصر، بل هى أقدم أنواع الأسلحة على الإطلاق، وهى حرب فى الخفاء لا يمكن الإعلان عنها، والتاريخ حافل بنماذج كثيرة تم استعمال الحرب الجرثومية فيها، فاليونانيون استعملوها قديما ضد أعدائهم، إذ كانوا حين يدخلون بلدة يلقون بالجثث الميتة فى مجرى مياه تلك البلدة، ويلقون بالحيوانات النافقة والفئران والطيور الميتة لتلويث مياه الشرب، وكذلك كان يفعل الفرس والروم، أما المغول والتتار فكانوا يأتون على الأنهار الجارية وعيون الماء ويلقون فيها بآلاف الجثث لتلويثها، ويبدأون بجثث جنودهم الذين يموتون فى الحرب بأحد الأوبئة التى كانوا يجهلون ماهيتها.
وهذا يؤكد فى النهاية أن الحروب بجميع أنواعها حروب بشعة، إلا أن الحرب البيولوجية أبشعها على الإطلاق، فهى تستهدف المدنيين ولا تفرق بينهم وبين العسكريين، ومما يزيد الحرب بشاعة أنك لا ترى خصمك ولا تشعر به لتتهيأ له فى اللحظة المناسبة، بل تتم مباغتتك بشكل لا تتوقعه، وقذارة تلك الحرب تتمثل أيضا فى أن الدول التى تطلق هذا النوع من الحروب تستطيع أيضاً التحكم فى تصنيع الأدوية المضادة واللقاحات والأمصال مما يجعل الأمر يتحول إلى مافيا تتصارع فيها شركات الأدوية العملاقة ويدير لوبى هذه الشركات صحة مواطنى العالم على هواه وطبقا لمصالحه الاقتصادية التى تعلو فوق كل مصالح البشر الذين يسكون مناطق الكرة الأرضية.
يبدو لى أننا لا نفهم تلك الرسائل الضمنية التى تأتى على لسان السينما الأمريكية ، فقد أعادت أخبار تفشى فيروس كورونا فى بعض دول العالم إلى الأذهان أحداث الفيلم الأمريكى "كونتيجين -Contagion " من إنتاج عام 2011، والذى تدورأحداثه حول انتشار فيروس مميت، حيث حمل أوجه تشابه غريبة بين ما يحدث الآن وبين أحداثه فى ثنايا السيناريو الذى استغرق طويلا فى تفاصيل حول "العدوى" التى يستتبعها تقدم سريع لفيروس قاتل محمول جواً يقتل خلال أيام، ومع نمو الوباء سريع الحركة هذا، يسابق المجتمع الطبى فى جميع أنحاء العالم لإيجاد علاج والسيطرة على الذعر الذى ينتشر أسرع من الفيروس نفسه، فى الوقت نفسه اسغرق الفيلم فى نوع من التراجيديا التى يكافح من خلالها الناس العاديين من أجل البقاء فى مجتمع ينهار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة