حالة من الجدل الممزوج بالثناء لاحقت الصور التي انتشرت مؤخرا لابنة الرئيس الأمريكي، إيفانكا ترامب، بينما كانت ترتدى الحجاب، داخل محراب مسجد الشيخ زايد، في إمارة أبو ظبى، احتراما للمقدسات الدينية للمسلمين، ليصبح سلوك الفتاة الحسناء مؤشرا مهما لما سوف تؤول إليه التوجهات الدبلوماسية التي سوف تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بموقفه من الإسلام، إذا ما وضعنا في الاعتبار الانتقادات الكبيرة التي واجهها منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية الأمريكية، كمرشح رئاسى مغمور في 2016، بسبب خطابه المتشدد ضد المهاجرين القادمين من الدول الإسلامية، وهو ما اعتبره القطاع الأكبر من المحللين تدشين لحقبة جديدة من "العداء" تجاه الدين الإسلامي.
وتمثل الأديان محورا مهما في رؤية الرئيس الأمريكي، سواء في الداخل أو الخارج، وهو ما يبدو واضحا منذ بداية ولايته، حيث حرص أن تكون أول جولة خارجية له بعد تنصيبه في البيت الأبيض، إلى مركز الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وهى السعودية وإسرائيل والفاتيكان، بينما استهلها بالمملكة العربية السعودية، في محاولة لتغيير الصورة التي طالما روجها خصومه، حول عدائه للإسلام، وهو الأمر الذى ساهم في إصلاح جزء كبير مما أفسدته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في العلاقة مع العالم العربى والإسلامى.
إلا أن حجاب إيفانكا ربما يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة المرحلة المقبلة، خاصة وأنه يساهم في زيادة القبول لديها في المجتمعات العربية والإسلامية، خاصة وأن الفتاة تحظى بقبول كبير في الأوساط اليهودية والمسيحية، سواء بسبب مرجعيتها الدينية، من جانب، أو السياسات التي تتبناها الإدارة في المرحلة الحالية، من حيث احترام ما يمكننا تسميته بـ"الجذور المسيحية" لأمريكا، أو الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، منذ بداية حقبة ترامب، من جانب آخر.
الحسناء الأمريكية قدمت نفسها بقوة خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب باعتبارها بوصلة الدبلوماسية الأمريكية، وهو ما بدا واضحا في جولاتها الخارجية، والتي تحمل في أغلبها غطاءً نسوياً، ولكنها تمثل، في جوهرها، انعكاسا صريحا للتوجهات التي تتبناها واشنطن في علاقاتها الخارجية، وهو الأمر الذى يشارك فيه أيضا نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، في الوقت الذى يتراجع فيه دور وزير الخارجية مايك بومبيو، والذى صار يكتفى بالتصريحات.
وهنا تثور الشكوك حول ما إذا كانت إيفانكا ستتولى حقيبة الخارجية في المستقبل القريب، وتحديدا مع بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب، إذا ما تمكن في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة في نوفمبر المقبل، خاصة مع تواتر الحديث عن نية بومبيو الترشح لعضوية مجلس الشيوخ، في انتخابات الكونجرس المقبلة، فيما يشبه "الصفقة" مع الرئيس، والذى يسعى لتحييد دور الصقور في إدارته، لصالح عناصر أكثر اعتدالا، يمكنهم الاحتشاد وراء الرؤى التي يتبناها ترامب، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بعيدا عن الانغماس في الحروب والصراعات المسلحة.
مشهد "إيفانكا المحجبة"، داخل محراب المسجد الكبير في أبوظبى، يمثل تكرارا لمشاهد أخرى، سعت خلالها الإدارات الأمريكية تقديم صورة معتدلة لواجهتها الدبلوماسية، لعل أقربها إلى الذهن، وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون، داخل مسجد "السلطان حسن"، بصحبة الرئيس السابق باراك أوباما، خلال زيارته التاريخية إلى القاهرة في يونيو 2009، والتي ألقى خلالها خطابه الشهير، تحت شعار "المصالحة مع العالم الإسلامي"، وهو الأمر الذى ينبئ بدور أكبر لنجلة الرئيس الأمريكي في المرحلة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة