قبل ثلاث سنوات، هيمنت أجواء السياسة على حفل توزيع جوائز الأوسكار، في ظل استقطاب شهده المجتمع الأمريكي في أعقاب انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي عقدت في عام 2016، والتي حقق فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتصارا تاريخيا على غريمته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون، حيث اتجه المشاركون، بدءًا من مقدم الحفل، إلى غالبية المتحدثين، إلى السخرية من سيد البيت الأبيض الجديد، والذى لم يكن قد مر على تنصيبه أكثر من أيام قليلة، وهو ما وصفته وسائل إعلام عالمية بـ"انتفاضة هوليود" ضد ترامب.
التركيز على السخرية من الرئيس الجديد كان سببا رئيسيا في خروج أحد أسوأ حفلات الأوسكار منذ بدايتها، حتى أن مسئولي الحفل أعلنوا بالخطأ فوز فيلم "لا لا لاند" بجائزة أفضل فيلم، إلا أنهم تراجعوا بعد صعود فريقه إلى المسرح، ليعلنوا أن الفيلم الفائز هو "مونلايت"، في مشهد يمكننا تسميته بـ"لعنة ترامب"، خاصة وأنه يمثل انعكاسا صريحا لحالة من الارتباك غير المسبوق، هي في جوهرها جزء من حالة عامة ضربت المجتمع الأمريكي في تلك الفترة.
ولكن بعد مرور 3 سنوات، أصبحت حالة الاستقطاب أكثر تفاقما داخل المجتمع الأمريكي، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على "الأوسكار"، وهو ما بدا واضحا في حديث الممثل الأمريكي الشهير براد بيت، في كلمته بعد إعلان فوزه بإحدى الجوائز، عن محاكمة الرئيس في إطار إجراءات العزل، منتقدا أعضاء الكونجرس من الجمهوريين بسبب موقفهم الداعم لترامب، ليبقى الصراع السياسى في الولايات المتحدة محورا للحديث في أكبر حفل فنى بالعالم.
السياسة لم تكن بعيدة حتى عن اختيارات الأفلام الفائزة ببعض الجوائز، حيث كان اختيار فيلم "أمريكان فاكتورى"، أو المصنع الأمريكي، والذى يعد أول تجربة إنتاجية للرئيس السابق باراك أوباما، يحمل في طياته بعدا سياسيا، لا يمكن تجاهله، سواء من حيث الكراهية بين الرئيس ترامب وسلفه الديمقراطى، أو حتى من حيث قصة الفيلم التي تروج لنجاح رجل أعمال صيني، في الوقت الذى تتبنى فيه الإدارة الأمريكية الحالية موقفا اقتصاديا مناهضا لبكين في إطار الحرب التجارية القائمة بين البلدين.
على الجانب الآخر، خرج مؤيدو ترامب للاحتشاد أمام الحفل رافعين الصور المؤيدة له، ربما في محاولة للانتقام من مواقف الفنانين الأمريكيين الذى يبقى منحازا لخصومه الديمقراطيين، ليصبح "الأوسكار" شاهدا من جديد على أشرس صراع سياسى تشهده أمريكا ربما في التاريخ، بين معارضى الرئيس في الداخل، الذين يسعون لتشويه صورته من داخل مسرح الحفل، من جانب، والمواطنين المؤيدين في الخارج، من جانب آخر، لتختلط هتافات المؤيدين مع شعارات المناوئين.
وهنا نجد أن ثمة فجوة عميقة بين الدور الذى ينبغي أن يلعبه الفن في دعم وحدة المجتمع ومساندة قضاياه من جانب، وقطاع كبير من المجتمع، يرى أن تلك الرؤية التي يتبناها ويروجها الفنانون مناهضة لمصالحهم، على خلفية إيمان بعضهم أو ربما معظمهم، بشعارات تحمل غطاءً إنسانيا، من جانب آخر، بينما لا يدركون أنهم بذلك ربما يتخلون عن جزء كبير ليس فقط من شعبيتهم، ولكن أيضا مصداقيتهم، أمام مواطنين طالما نظروا إليهم باعتبارهم الصوت الذى يعبر عنهم في مواجهة قضاياهم.
انتفاضة "هوليود" ضد ترامب بدأت منذ الوهلة الأولى لتنصيبه، ومازالت قائمة، ولكن يبدو أن صداها محدودا للغاية، ربما لأنها خرجت عن الهدف الذى خلق من أجله الفن، باعتباره "مرآة" المجتمع، لتقدم انعكاسا صريحا لحقيقة مفادها أن شعبية الفنانين مرهونة بقدرته على الإحساس بمحيطه المجتمعى، وتلامسه مع نبض المواطن، وبالتالي فإذا فشل الفنان في ذلك سوف يخسر الكثير من رصيده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة