لا شك أن مصر القوية القادرة على إدارة وحل مشكلاتها الآن لم يكن من فراغ، بل من رؤية قائد عظيم يمتلك كل الحلول، وخاصة يفضل الحلول السياسية والودية، على الرغم من امتلاكه القوة التى ينميها لتكون رادعة، وهذا ما جعل الرئيس السيسى يقول: «إنه لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع»، مشدداً فى الوقت ذاته على أن مصر ليست ضد التنمية فى إثيوبيا.
وخلال حوار على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك مع عدد من الشخصيات الأمريكية المؤثرة داخل المجتمع الأمريكى، قال الرئيس إن «أحد التحديات التى واجهت الدولة نتيجة أحداث 2011 هو إقامة مشروع سد النهضة ليؤثر على مصر وأبنائها، وكان من المفترض أن تتم إقامة مفاوضات مع الجانب الإثيوبى لو كانت الدولة المصرية موجودة فى هذا التوقيت».. ولكن «عندما ضعفت الدولة المصرية كان هناك ثمن دفعه المصريون وستدفعه الأجيال القادمة».
نعم فى 2011 كانت مصر فى حالة ضعف مع انتشار ميليشيا تريد إضعاف الجيش والشرطة ونشر الفوضى، حيث فوضى التظاهرات كل يوم جمعة تحت مسميات عديدة.
وكعادة جماعة الإخوان الإرهابية حاولت فرض حالة من الخوف والهلع تجاه ملف سد النهضة باستخدام قنواتهم التى تبث من قطر وتركيا بالإضافة قناة الجزيرة بالإدعاء أن مصر «ستموت عطشا».
لكن وحتى لا ننسى.. أذكركم بتصريحات وزير الرى الإخوانى خلال فترة حكم الرئيس المخلوع مرسى، محمد بهاء الدين، حيث اعترف بأنه علم من الإعلام أنه سيقام سد فى إثيوبيا، وأن زيناوى رئيس الوزراء الإثيوبى، قرر زيارة مصر لكى يطمئن الشعب، موضحاً أن زيناوى قال لهم إن الشعب الأثيوبى لن يقبل الضرر لمصر.
تصريحات وزير الرى الإخوانى، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن جماعة الإخوان ليست مشاركة فى أزمة سد النهضة فقط، بل السبب الرئيسى فى الأزمة على الرغم من الأكاذيب التى تروجها الجماعة بأنه ليس لها علاقة بأزمة سد النهضة، وأن الرئيس المعزول محمد مرسى ليس له علاقة بتطور أزمات سد النهضة، متناسين الاجتماع «السرى» الذى عقده مرسى حينها مع حلفائه، وتم بثه على الهواء مباشرة حينها، وتضمن تصريحات من قبيل التهديد بضرب السد، وهو ما كان له ردود أفعال واسعة حينها.
وللحق وفى كل مناسبة كان الرئيس السيسى يشدد على أنه «يجب الحفاظ على حصة مصر من المياه، وقد اتفقنا مع الجانب الإثيوبى فى الاتفاق الإطارى على أسلوب ملء خزان سد النهضة، لكن للأسف لم تستطع اللجان الفنية الوصول إلى اتفاق فى هذا الأمر»، وكان الرئيس مصر على عدم فرض سياسة الأمر الواقع على مصر: «لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل»، إن 95 % من مساحة مصر صحراء، وأى إضرار بالمياه سيكون له تأثير مدمر على المصريين» وتعهد الرئيس فى أكثر من مناسبة قائلاً: «نحن مسؤولون عن أمن مواطنينا».
مصر دائماً تفضل تبنّى سياسة تتسم بالحوار، وبدأنا نصعّد دبلوماسياً لكى ننقل المشكلة من مستوى ثنائى وثلاثى حتى نصل إلى مجال طرح أكبر، وكان لابد من الوصول إلى اتفاق تصر عليه مصر حتى نتحكم فى الضرر الذى يمكن أن نتحمله ببناء هذا السد، فمصر فى مستوى الفقر المائى، وسيتزايد نتيجة ارتفاع عدد السكان فى مصر بعد وصولنا إلى 100 مليون نسمة، ومع ثبات حصتنا من مياه النيل يزداد الأمر صعوبة.
لكن وللحق كان الرئيس واثقاً من الحل مع الأشقاء، وأنهم لا يريدون الضرر بمصر، خاصة أن مطالبنا بشأن مياه النيل لا تتعلق بتنمية بل بـ«الحياة». وقال: «مطالبنا من المياه ليست تنمية، بل حياة.. ما يريده أشقاؤنا فى إثيوبيا تنمية، ونحن حياة، والفرق كبير بينهما».
وأخيراً وبعد جلسات عمل شاقة بين الدول الثلاث «مصر والسودان وإثيوبيا» اختتمت بالعاصمة الأمريكية واشنطن، جولات مفاوضات سد النهضة بين وزراء الخارجية والرى فى الدول الثلاث والتى تمت برعاية وزير الخزانة الأمريكى ستيفن منوشن، وبحضور ممثلى البنك الدولى، حيث تم استكمال التفاوض على عناصر ومكونات اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، وتتضمن الاتفاقية ملء السد على مراحل، وإجراءات محددة للتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة التى قد تتزامن مع عملية ملء السد، وكذلك قواعد التشغيل طويل الأمد والتى تشمل التشغيل فى الظروف الهيدرولوجية الطبيعية، وأيضاً إجراءات التعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة.
تطرقت المفاوضات أيضا إلى آلية التنسيق بين الدول الثلاث التى ستتولى متابعة تنفيذ اتفاق ملء وتشغيل السد، وبنود تحدد البيانات الفنية والمعلومات التى سيتم تداولها للتحقق من تنفيذ الاتفاق، وكذلك أحكام تتعلق بأمان السد والتعامل مع حالات الطوارئ، فضلاً عن آلية ملزمة لفض أية نزاعات قد تنشأ حول تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق.
لا عزاء إذن لأهل الشر الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً وشائعات وكان هدفهم هز ثقة المواطن المصرى فى قيادته، لكنهم ككل مرة لا يتعلمون، فبهذه الخطوات الواثقة التى خاضها الفريق المصرى الذى تفاوض وما يملكه من خبرات قانونية ومائية كانت تعبيراً عن قوة حجة الموقف المصرى، لكن الحق الذى لا تقف خلفه قوة يضيع، فالعالم قد يتعاطف مع الضعفاء لكنه يحترم الأقوياء.
وبهذا الاتفاق يتحقق لإثيوبيا التنمية التى تريدها، وللسودان الأمان المائى والبيئى، ويتحقق لمصر «الحياة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة