محمد أحمد طنطاوى

المقابر والأعمال السحرية وانتهاك الإنسانية

الإثنين، 17 فبراير 2020 11:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بدأت هوجة بين سكان مئات القرى المصرية، خاصة فى محافظات الصعيد، بعنوان "تطهير المقابر من السحر والأعمال"، وانتشرت العدوى بصورة كبيرة، خاصة بين أوساط الشباب، فى انتهاك غير مسبوق لحرمة القبور، خاصة أنه فى أغلب الأحيان يتم فتح المقابر القديمة ونبشها بصورة تخالف كل الشرائع والأديان، وكل المبادئ الإنسانية، التى تحترم حقوق المتوفى وتمنع من الاعتداء على رفاته أو العبث بها.

لا أتصور ونحن فى عام 2020، ومع كل هذا التطور العلمى والتقدم الذى أحرزته البشرية فى مختلف المجالات أن نعلق مشكلاتنا وأفكارنا بل ومستقبلنا على السحر والأعمال السفلية، ونظن أنها سبب التأخر أو التراجع أو ضيق الرزق، أو المرض والموت، وكل ما يثار في هذا الشأن، فنحن لا نرجع الأمور لأسبابها الحقيقية، ولا حتى نعود لصحيح الكتب السماوية والشرائع، أو نأخذ بالأسباب العلمية التي تعتمد على العقل والمنطق.

الدعوة لتطهير المقابر من السحر والأعمال السفلية في ظاهرها حركة جادة ومهمة بطولية لتخليص الناس من شرور السحرة والدجالين، لكن في باطنها وحقيقتها انتهاك صريح للإنسانية، حيث يتم العبث برفات الموتى، بل ودهس ما تبقى من عظامهم، في مشاهد لا نقبلها جميعا على مواتنا، ولا نرضاها لأنفسنا بعدما يقضى الله أمرا كان مفعولا، فقد يأت من لا يفهم ويعبث بعظامك أو جمجمتك ويدهسها تحت قدميه أثناء بحثه عن سحر أو عمل أو ما يقال من هذه المآسى التي نسمعها.

دار الإفتاء المصرية أصدرت فتوى قاطعة حول فتح القبور، لتنظيفها من الأعمال السحرية، وأكدت أن ذلك اعتداء على حرمة الأموات، وأوضحت أن حرمة الإنسان ميتا كحرمته حيا كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلم يجب أن يكون ذا عقيدة علمية فيرجع الأمور إلى أسبابها لا إلى السحر، فمثلا إذا تعثر فى عمله يبحث أن كان مقصرا أو نحو ذلك، أو إذا وقعت له حادثة طريق ينظر إذا كان قد قصر أثناء القيادة أو أنه لم يلتزم بإرشادات الطريق، فهذا الرد العلمى الشرعى من دار الإفتاء المصرية، التي هي جهة الفتوى في مصر، فيجب علينا ألا نندفع ونرتكب الحرام دون أن ندرى، لذلك يجب توعية شبابنا وأسرنا وأهلنا في الريف والصعيد وفى كل مكان بمصر أن يبتعدوا عن هذه الظاهرة غير الإنسانية.

علينا جميعا أن نتجه إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وننشغل بالعمل والمستقبل دون أن نعلق حياتنا ومصائرنا على خرافات وتفاهات تتعارض مع العقل والعلم وصحيح الدين، فيجب أن نحارب الشياطين في عقولنا أولا قبل أن نخاف منها أو نبحث عنها في المقابر.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة