فى بحثنا عن العرب نستعين بالمفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) وكتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" الذى يشير إلى المنطقة ويعرف بجغرافيتها وتاريخها وطبقات شعوبا، ومن ذلك ما يقوله عن "العرب البائدة".
يقول جواد على: "نحن جريًا مع عادة أهل الأخبار فى تقسيم العرب إلى الطبقات الثلاث المذكورة، نبدأ بذكر الطبقة الأولى من طبقات العرب، وهى طبقة العرب البائدة".
وقد شك كثير من المستشرقين فى حقيقة وجود أكثر الأقوام المؤلفة لهذه الطبقة، فعدّها بعضهم من الأقوام الخُرافية التى ابتدعتها مَخِيلةُ الرواة، وخاصة حين عجزوا عن العثور على أسماء مشابهة لها أو قريبة منها فى اللغات القديمة أو فى الكتب الكلاسيكية، وقد اتضح الآن أن فى هذه الأحكام شيئا من التسرّع، إذ تمكن العلماء من العثور على أسماء بعض هذه الأقوام، ومن الحصول على بعض المعلومات عنها، ومن حلّ رموز بعض كتاباتهم مثل الكتابات الثمودية.
وقد اتّضح أن بعض هذه الأقوام أو أكثرها قد عاشوا بعد المسيح ولم يكونوا مُمْعِنِين فى القدم على نحو ما تصوّر الرواة، ولعلّ هذا كان السبب فى رسوخ أسمائهم فى مَخِيلة الأخباريين.
ويضيف "جواد على" أبدأ الآن بالتحدث عن "عاد" وإذا جارينا الأخباريين، وسرنا على طريقتهم فى ترتيب الشعوب العربية، وجب علينا تقديم طسم وعمليق وأميم وأمثالهم على عاد وثمود، لأنهم من أبناء "لاوذ بن سام" شقيق "إرم"، وعاد وثمود من حَفَدة "إرم بن سام". ولكن الأخباريين يقدمون عادًا على غيرهم، ويبدءون بهم، وهم عندهم أقدم هذه الأقوام، ويضربون بهم المثل فى القدم.
ومثلهم فى ذلك مثل أخباريى العبرانيين الذين عدّوا العمالقة أول الشعوب، ولعلّ هذه النظرية تكوّنت عند الجاهليين من قوم عاد، أو من ورود اسم عاد فى القرآن الكريم فى سورة الفجر ثم مجىء اسم "ثمود" بعد ذلك، ولهذا صاروا إذا ذكروا "عادا" ذكروا "ثمودا" بعدها فى الترتيب، فلورودهما فى القرآن الكريم قدما على بقية الأقوام.
وقد أورد "الطبري" ملاحظة مهمة عن قوم "عاد" وعن رأى أهل الكتاب فيهم؛ إذ قال: "فأما أهل التوراة، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح فى التوراة، وأمرهم عند العرب فى الشهرة فى الجاهلية، والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه".
ويظهر من ذلك أن المسلمين حينما راجعوا اليهود يسألونهم علمهم عن عاد وأمثالهم، أخبروهم بعدم وجود ذكرهم فى التوراة. والواقع أن التوراة لا علم لها فيهم. فأحاديث عاد وثمود وهود وصالح إنما هى أحاديث عربية، تحدث بها الجاهليون، وليس لها ذكر فى كتب يهود، ولكن أهل الأخبار ربطوا مع ذلك بينها وبين التوراة، وأوجدوا لها صلةً ونسبًا بأسماء أعيان وردت فى التوراة. ولكن عملهم هذا لا يخفى بالطبع على مَن له وقوف على التوراة.
وأكثر هذه الأقوام أقوام متأخرة عاشت بعد الانتهاء من تدوين التوراة، عاشت بعد الميلاد فى الغالب، ولعلّ منها مَن عاش إلى عهد غير بعيد عن الإسلام. ثم إن التوراة والكتب اليهودية الأخرى لم تهتم إلا بالشئون التى لها علاقة بالعبرانيين، وهى ليست كتبًا فى التواريخ العامة للعالم حتى تكتب عنهم وعن أمثالهم من قبائل. أما بقاء أخبار قوم عاد ومَن كان على شاكلتهم من العرب البائدة فى ذاكرة أهل الأخبار، فلأنهم عاشوا بعد الميلاد، وفى عهد غير بعيد عن الإسلام، ومع ذلك، فقد أخذتْ أخبارهم طباع القصص والأساطير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة