منذ الصغر وأنا أسمع مقولة إن المصريين شعب تكالى بطبعه، يترك كل شىء للقدر والمشيئة، متمرد على الخوف، لا يعير الأمور الصحية خاصة أى اهتمام، يرى أن الله وحده هو المتحكم فى المصائر، وهو الركن الأهم فى إيمان وعقيدة المصريين، هم متمردون على طبيعتهم يواجهون كل المصاعب بالسخرية، ويتغلبون عليها بالفكاهة والضحك، لذا لا خوف عليهم.
كنت أسمع الكلمات السابقة وأرددها بشىء من السخرية والمبالغة أحيانا، لكن بعدما شهدت طوابير الراغبين فى الحصول على شهادة صحية من أجل السفر تفيد بخلو حاملها من الإصابة بكورونا، آمنت تماما بها، أيقنت حينها طبيعة المصريين، لكننى أيضا بقيت مندهشا متأملا للمشهد وأنا أسأل ألم يخف هؤلاء حقا من الفيروس، ألم يفكروا فى أن يكون بينهم من هو حاملا له فيعديهم، لماذا يقف كل هؤلاء غير عابئين ويتصرفون وكأن الفيروس لن يأتيهم أبدا ولن يعطلهم عما جاءوا من أجله وهو الفيروس ذاته؟
قابلت صديقا قديما، منذ أيام، وبينما اكتفيت بالمصافحة باليد فقط استجابة للإرشادات التوعوية للحد من انتشار "كورونا"، وجدته يسخر من هذا التصرف، وتعامل وكأننى أخالف الأعراف، وتعامل وكأننى ارتكبت جريمة فى حق التقاليد الراسخة، وتركنى وهو يردد "كورونا مين يا عم، سيبها على الله"، ذهبت للقاء آخر ووجدته يدخن "الشيشة" رغم أننا تحدثنا قبلها طويلا حول الأضرار التى ربما قد تسببها ونقلها للعدوى، وعندما سألته فى اندهاش، رد على مازحا: "يا عم اللى كاتبه ربنا هيكون"، وعندما ذكرته بحديثنا السابق عن مخاطر التدخين فى ظل أزمة "كورونا"، كان لا يزال فى حالة مزاحه الأولى متمسكا بأن "الفيروس" أهون من أمور كثيرة عانى ويعانى منها المصريون.
ومع إعلان الأرصاد الجوية عن هطول أمطار شديدة على البلاد، وتعرض مناطق من البلاد للعواصف والسيول، وإعلان الحكومة المصرية الخميس إجازة رسمية، وجدت أغلب الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعى يلتقطون "السيلفى" فى شوارع القاهرة الخالية من المارة، متعاملين مع الأمر بشىء من الدعابة، حتى أزمة سد النهضة كانت حاضرة وتعاملوا معها هى أيضا بالنكات، وأن السيول ترد على قرارات إثيوبيا الخاصة بملء السد و"تطلع لسانها".
تابعت كل تلك الأمور وكيف نتعامل مع أزمات مثل كورونا وهطول الأمطار والعواصف، لكننى عرفت أننا بالفعل شعب "اتكالى" بفطرته، متمرد بطبيعته، لا ينشغل بالخوف ولا يعرفه، لا يكترث بانتشار كورونا أو غيرها، يتعامل مع المصاعب التى قد ينظر إليها العالم بالحذر بابتسامة ولا مبالاة، يمضى كلا منا فى حياته ببراءة وببساطة معا، متمرد على الخوف متوكل مستجيب للقدر أين كان مصيره.
وفى النهاية يظل إيمانى دائما بضرورة الحذر، ليس خوفا علينا فقط، ولكن على أحبائنا وأطفالنا، لا نريد هلعًا ولا خوفًا.. لكن نوعًا من الحرص الاطمئنان، فقديما قالوا: "حرص ولا تخون".