فيروس كورونا مثل كل أزمة أو وباء أو حرب ، له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد والمجتمع والحالة النفسية والوعى العام والخاص. تظهر الأزمات الكثير من الصفات الخيرة لدى البعض من أفراد المجتمع من حيث التعاون والتعاطف والمبادرة، كما أنها تظهر الصفات السيئة من حيث الأنانية والفردية والانتهازية. حيث يظن البعض أنهم يمكنهم أن ينجو بأنفسهم، بينما الحقيقة أن الفيروس يهدد الجميع ولا يفرق بين فرد وأخر غنى أو فقير دولة متقدمة وأخرى نامية أو فقيرة.
فى الأزمات تتكشف صفات البشر وتتعرى تصرفاتهم بشكل كبير، ومن الظلم أن يسارع البعض بإصدار أحكام بالإدانة على مجتمع ما مقابل تصرفات بعض أفراده. نقول هذا بمناسبة بعض السلوكيات الصادمة التى نراها من بعض أفراد المجتمع، لدينا ومنها على سبيل المثال تجمهر بعض أفراد فى قرية بمركز أجا بمحافظة الدقهلية رفضا لدفن طبيبة توفيت بفيروس كورونا، فقد تجمع عشرات من أهالى القرية اغلبهم شباب للأسف وأعلنوا رفضهم لدفن المتوفاة فى مقابر أسرة زوجها بالقرية بزعم خوفهم من عدوى الفيروس، ومن واقع الفيديوهات والصور أو شهادة بعض أهالى القرية حاول زوج المتوفاة أن يدفن زوجته بمقابر الأسرة لكنهم رفضوا وحاول إقناعهم بلا جدوى وتدخلت قوات الأمن لإقناع الناس دون جدوى بل أن يعضهم تطاول على قوات الأمن الأمر الذى دفع القوات للتعامل بالقوة لإنهاء التجمهر ودفن المتوفاة.
نفس الأمر تكرر فى قرية بمحافظة البحيرة عندما حاول أهالى القرية منع دفن متوفاة بكورونا وتصدوا لابنها الطبيب وتدخلت قوات الأمن وأنهت الأمر. لدنا نماذج أخرى لمواطنين تعرضوا لطبيبة حميات كانت فى زيارة لأقاربها، وتدخل الأمن لإنهاء الموضوع نحن أمام حالات متعددة البغض يعتبرها نتيجة لغياب الوعى لدى بعض الجمهور، والبعض يراها أزمة مجتمعية والبعض يسارع بإلقاء اللوم على الإعلام أو الصحافة، وهو اتهام مستمر ممن يعلم أو لايعلم بينما نحن أمام أزمة قانون وتعليمات يتم مخالفتها.
الأزمة الأخيرة فتحت الباب لمناقشات وانتقادات من رواد مواقع التواصل وانتقلت إلى الفضائيات والتوك شو وشن كثيرون هجوما على القرية والجهل. فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من مثيرى الشغب الجاهل وأحالتهم للتحقيق.
والواقع أن قوات الشرطة تعاملت فى كل هذه الأحداث بمسئولية ولم تسمح بتطور الأمر إلى صدام بل أن رجال الشرطة كانوا على قدر من المسئولية بشكل كبير سعوا فى البداية لإقناع المواطنين بالعقل والمنطق قبل أن يتدخلوا باستخدام بعض الحسم لإنهاء الأزمات. وطالما المجتمع يرى بنفسه أن الدولة وأجهزتها، والحكومة والصحة يقومون بدورهم بشكل مسئول، يفترض الالتزام بالتعليمات، لأن الخطر لا يهدد الأفراد ومن يخالفون التعليمات، لكنه يهدد المجتمع.
وكالعادة فقد انتقل النقاش إلى مواقع التواصل حيث سارع البعض بإصدار أحكام على المجتمع كله بالجهل أو غياب الوعى واعتبروا رفض دفن المتوفاة انعكس لغياب الوعى وانتشار الجهل، وهناك قطاع ألقى باللوم على الإعلام الذى لايقدم وعيا لهؤلاء، وهو اتهام عام يستسهل البعض إطلاقه من دون وعى بالرغم من كونه غير صحيح على إطلاقه، بل ومن المثير أن بعض الزملاء فى الإعلام يعملون فى الإعلام ويرددون هذا الكلام بشكل يدفع للتساؤل ماذا يعمل هؤلاء ؟.
والحقيقة أن الأزمة كاشفة وليست منشئة لهذه التصرفات الجاهلة أو العنيفة والتى يفترض أن توضع فى سياقها، فهناك بعض هذه التصرفات هى نوع من الجريمة المتعمدة، وعلى سبيل المثال التاجر الذى يرفع الأسعار أو يخفى المطهرات ليبيعها بأضعاف سعرها أو يرفع أسعار السلع والخدمات هو فى الواقع مجرم يخالف القانون ويفترض أن يتم التعامل معه من هذه الزاوية، لان المستغل أو المحتكر لايعانى من نقص الوعى لكنه جشع يخالف القانون ويجب تطبيق القانون عليه، ونفس الأمر فيما يتعلق بهؤلاء الذين يتعاملون بعنف أو يعطلون دفن ميت أو حركة إسعاف أو يعتدون على الأطباء وأطقم التمريض ويحطمون أجهزة طبية، هؤلاء مجرمون يرتكبون أعمالا مخالفة للقانون يفترض أن يتم القبض عليهم ومحاكمتهم أمام القضاء لينالوا عقابهم، ونفس الأمر فيما يتعلق بمن يكسرون التعليمات أو يخالفون تعليمات منع التجمع، ولو القينا نظرة على أوربا أو روسيا نجد أن هناك تعليمات حاسمة فى ألمانيا بمنع تجمع أكثر من اثنين وان تكون بينهما مسافة تباعد ومن يخالف يتم ردعه بالقانون. وللحق فاتن محاولات منع ميت أو التنمر بطبيب أو طبيبة أو احد\ أطقم التمريض تكررت بأشكال مختلفة فى دول أخرى مثل ايطاليا واسبانيا وفرنسا ومن يتابع مواقع التواصل سيجد نفس القصص والفرق هو أن التعامل بالقانون الرادع يتم بشكل فورى .
نفس الأمر فيما يتعلق بالبناء على الأراضى الزراعية أو أملاك الدولة أو ارتكاب اى مخالفات فقد كانت تعليمات الرئيس السيسى واضحة للوزراء والمحافظين بعدم التهاون مع اى مخالفة وتطبيق القانون بحسن من دون استثناءات، وتحركت السلطات لإزالة المخالفات ويفترض أن يتم تطبيق الشروط المشددة بالقانون على من يرتكبون هذه الأفعال لأنهم يخالفون استغلالا للازمة ا تهدد المجتمع كله وبالتالى لايفترض أن يكون هناك اى نوع من التساهل مع هؤلاء، تماما مثل التجار المحتكرين.
الشاهد أننا لسنتا أمام أزمة وعى فقط كما يدعى البعض أو يحاول تصوير ما يجرى على انه جهل أو عدم وعى، بينما نحن أمام مخالفات للقانون وعدوان على هيبة الدولة يجب التعامل معه بحسم ومن دون اى تهاون.
فيروس كورونا خطر داهم لا يفرق بين الأفراد ولا بين الدول وفى حين تتكشف إنسانية البعض تظهر دناءة البعض الآخر وربما يكون هناك مجال للحديث عن الوعى ا وان يقوم الإعلام بالتوعية فيما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالمرض وتأثيراته ومجالات العدوى للمتوفين بالفيروس وقد أكد الأطباء أن المتوفى بالفيروس لايكون مجال عدوى طالما تم اتخاذ الإجراءات الاحترازية فى الغسل والعزل بعد التكفين وإتباع إجراءات دفن صحية وهو خطر وارد على الجميع ولو كان احد ممن تصدوا لدفن المتوفاة فى نفس الموقف ماكان هذا سيكون موقفه.
الإعلام دوره نشر المعلومات والآراء الطبية، والسلطات تعلن الإجراءات بناء على أراء الخبراء وعلى الجميع الالتزام ومن يخالف يطبق عليه القانون. فمن يرفع أسعار أو يستغل أزمة يفترض أن يعاقب ويحاسب بناء على محاكمة، مثل من ا يخفون المطهرات والكمامات ويضاعفون أسعارها، ويرفعون أسعار السلع بشكل مبالغ فيه. ومن يتاجرون بالدروس الخصوصية ويستغلون التلاميذ وأسرهم فى وقت شدة.
أمام المواطنين الذين يفتقدون إلى أبسط مشاعر الإنسانية ويرفضون دفن متوفاة فى قريتهم ماتت بالفيروس أو التنمر بمريض أو طبيب أو ممرض فهؤلاء يتم نصحهم مرة وان لم يلتزموا يتم تطبيق القانون عليهم . الأمر هنا لايتعلق بوعى أو جهل أو علم، وإنما بالقانون خاصة وان هناك شبهة تعمد من قبل بعض من هاجموا جنازة المتوفاة، حيث استغلوا ميكروفونات المساجد فى التحريض على التجمهر، وسوف تظهر تحقيقات النيابة حقيقة ما فعله هؤلاء، وإذا كان هناك تعمد لإثارة أزمة، سوف تظهر الحقيقة، لان البلد فى وقت أزمة تهدد الجميع، والأمن يتحمل مسئوليات كبيرة ويتعامل بشكل مرن ومتحضر، لايفترض أن يراه البعض تهاونا أو ضعفا. القانون هو الحل، فى مواجهة من يخالفون والقانون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة