اسم إذا ذكر اختلف الجميع على استقباله، المتدينون سوف يتبعون ذكر اسمه بجملة "عليه السلام"، أما المهتمون بقصص التراث الإنسانى أكثر فسوف يأتى على أذهانهم القتلة والسفاحين وقاتلى الأبرياء، ويتصورن أنه الأب الروحى لهولاء القتلة، هو يوشع بن نون أو النبى يوشع، وعلى مدار التاريخ الدينى ومنذ زمن النبى موسى وإلى الآن خلق ذكر شخصية يوشع بن نون، جدلا كبيرا، لما يصحب سيرة هذا الشخص من اختلافات وتباين كبير حول هويته وكينونته، فهو نبى كريم ذكر فى القرآن ومناضل من أجل الرب فى التوراة، لكن التاريخ يتوقف كثيرا أمام الجرائم الكبرى التى ارتكبها باسم الرب والجهاد غير المقدس.
الثابت أمامنا من حسب الروايات الدينية أن يوشع نبى من أنبياء الله، جاء من مصر مع بنى إسرائيل إلى بيت المقدس، بعد وفاة النبى الكريم موسى.
نبى فى التوراة والإسلام
يوشع بن نون أو يشوع فى المسيحية يقال إنه نبى من أنبياء الله، وهو شخصية ذكرت فى العهد القديم فى سفر يشوع، يعتقد أنه عاش بين القرنين الـ 13 ق م والـ12 ق م، اسمه يشوع بن نون من قبيلة إفرايم بن يوسف بن يعقوب، وكان قائد بنى إسرائيل بعد موت موسى.
ذكر يوشع بن نون فى التوراة على أن موسى عينه بأمر الرب ليخلفه فى شعب إسرائيل، فقد ورد فى سفر العدد الإصحاح 27: "فَكَلَّمَ مُوسَى الرَّبِّ قَائِلاً: "لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ رَجُلاً عَلَى الْجَمَاعَةِ، يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ، لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِى لاَ رَاعِى لَهَا".. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: "خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ، رَجُلاً فِيهِ رُوحٌ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ، وَأَوْقِفْهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَأَوْصِهِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. وَاجْعَلْ مِنْ هَيْبَتِكَ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ لَهُ كُلُّ جَمَاعَةِ بنى إسرائيل".
وبحسب الاعتقاد الإسلامى فهو الطفل التى تم ذكر اسمه مع النبى موسى دون ذكر اسمه فى قصة موسى والخضر، قال تعالى: "لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِى حُقُبًا".
وقد رد هذا القول ابن عباس فى صحيح البخارى وغيره أن قول "فتاه" يقصد به يوشع بن نون، وقد مضى ذكره فى سورة "المائدة" وآخر سورة "يوسف"، ومنهم من قال هو ابن منشا فليس الفتى يوشع بن نون.
من نسل يوسف أو بن عم هود
وورد فى "البداية والنهاية" لابن كثير، هو يوشع بن نون بن أفراثيم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وأهل الكتاب يقولون يوشع بن عم هود.
وقد ذكره الله تعالى فى القرآن غير مصرح باسمه فى قصة الخضر، كما تقدم من قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60] {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ} [الكهف: 62].
وقدمنا ما ثبت فى الصحيح من رواية أبى بن كعب رضى الله عنه، عن النبى (ص) من أنه يوشع بن نون، وهو متفق على نبوته عند أهل الكتاب، فإن طائفة منهم وهم السامرة لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون، لأنه مصرح به فى التوراة، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم من ربهم.
وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين، عن محمد بن إسحاق: من أن النبوة حولت من موسى، إلى يوشع في آخر عمر موسى، فكان موسى يلقي يوشع فيسأله ما أحدث الله إليه من الأوامر والنواهى، حتى قال له: يا كليم الله، إني كنت لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت، ابتداء من تلقاء نفسك، فعند ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت.
مجازره يوشع بن نون
وبحسب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" للمفكر الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى، قد اقترن اسم هذا النبي الكريم في المعرفة التوراتية والثقافة الإسرائيلية بالقائد العسكري الصلب الذي استعمل جميع الأساليب المحظورة في سبيل تثبيت عرش دولة العبرانيين، كالحرق والهدم والابتزاز بالعاهرات ونحو ذلك مما نعتقد بطلان نسبته إليه، فالأنبياء في العقيدة الإسلامية معصومون من الوقوع فى كبائر الذنوب وخوارم المروءة، ومعلوم أن الكتب المحرفة التى فى أيدى اليهود تشتمل على الكثير جدا من الطعن المخزى فى رسل الله وأنبيائه.
وحول نبى الله يوشع بن نون، أو يشوع بن نون: "وُلد فى مصر، وأرسله موسى مع كالب ليتجسسا، ويصوِره العهد القديم باعتباره نبياً وقائداً عسكرياً قاد القبائل العبرانية إلى أرض كنعان، واقتحمها حسب الرواية التوراتية بعد معارك ضارية مع العموريين والمؤابيين والفرزيين والكنعانيين والحيثيين والجرجاشيين والحوريين واليبوسيين، فأحرقوا بعض مدنهم، وقتلوا رجالهم مستخدمين الوسائل كافة، ومن ذلك الخداع والتجسس عن طريق العاهرات (1250 ـ 1200 ق. م).
وذكر بن كثير أنه لم يخرج أحد من "التيه"، الذى عاقب الله به بنى إسرائيل بعد رفضهم لقتال القبائل الكنعانية التى كانت تسكن المدينة المقدسة فى فلسطين وكانت مدة التيه 40 عاما مات فيها نبى الله موسى، إلا اثنين، منهما يوشع بن نون عليه السلام، الذى قاد بنى إسرائيل لقتال الجبارين.
أول من فتح القدس
وذكر ابن كثير أن "يوشع كان الذى خرج ببنى إسرائيل من التيه، وقصد بهم بيت المقدس، فقال أهل التاريخ، إنه قطع ببنى إسرائيل نهر الأردن وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سوراً وأعلاها قصوراً، وأكثرها أهلاً، فحاصرها ستة أشهر، ثم إنهم أحاطوا بها يوماً وضربوا بالقرون (يعنى الأبواق) وكبروا تكبيرة رجل واحد، فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدة، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثنى عشر ألفاً من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكاً كثيرة ويقال إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكاً من ملوك الشام".
ولعل قول ابن كثير يتطابق مع ما ورد أن فتى موسى أحد أنبياء بني إسرائيل فيما بعد، وأشهر قادتهم ورموزهم التاريخية؛ وهو الذي تولى مقام النبوة بعد موت موسى عليه السلام، وقد جاء خبره في السنة النبوية في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى بَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) رواه الإمام أحمد في "المسند" وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة: إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه ابن حجر في "فتح الباري"، والألباني في "السلسلة الصحيحة".
وقد زعم بعضهم أن موسى عليه السلام، هو الذى خرج بهم من التيه، ودخل بهم الأرض المقدسة، وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين، ومما يدل على ذلك قوله لما اختار الموت: رب أدننى إلى الأرض المقدسة رمية حجر، ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك، لكن لما كان مع قومه بالتيه.
هناك آراء ترى أن النبى موسى، عليه السلام، قتله قومه وبعد ذلك انتظروا ظهور المسيح الذى سينقذهم مما فعلوه، لكن الواضح أن الفراس سواح نفسه لا يرجح هذه الرأى، أما الذى قال بذلك فهو الباحث الألمانى "أرنست سيلين".
ويقول أرنست سيلين، إن موسى مات مقتولا من شعبه والذى قتله هو من خلفه يوشع بن نون بعدما اصطحبه للجبل ليرى الله ولكنه عاد من دونه، وفى كتاب "موسى الإنسان وديانة التوحيد" لـ سيجموند فرويد يشير إلى مقولة "سيلين" الذى يقول إن اليهود الذى وصفتهم التوراة كانوا عنيدين لا يطيعون مشرعهم وزعيمهم، وتمردوا عليه آخر الأمر وقتلوه وطرحوا عنهم ديانة آتون التى فرضها عليهم كما فعل المصريون من قبلهم.
هو النبى إليسع أو ذو الكفل
البعض يعتقد أنّ (اليسع) هو (يوشع بن نون) أحد أنبياء بنى إسرائيل المعروفين، وقد دخلت الألف واللام على اسمه كما أُبدلت الشين بالسين، ودخلت الألف واللام على الاسم غير العربى (وهذا اسم عبرى) أمر غير جديد، فمثلها مثل (إسكندر) التى تلفظ وتكتب بالعربية (الإسكندر) إذ هو نوع من التقريب.
وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن ذا الكفل هو يوشع بن نون، وفى رواية عن ابن عباس قال: كان ذو الكفل من أولاد أيوب فأرسله الله تعالى داعيًا إلى توحيده بالشام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة