من الموضوعات التى تناولها المؤتمر موضوع كثر الجدل والحديث فيه فى السنوات القليلة الماضية وهى قضية المشروبات وبعض المسكرات المعاصرة، حيث يرى بعض المعاصرين أن حكم الخمر - وهو التحريم وما يترتب عليه من آثار- لا يثبت للمشروبات المعاصرة ،وفرقوا بينها وبين الخمر بأن الخمر كان يصنع من التمر أو العنب بطرق معينة تغير من طبيعتهما كنعمتين من نعم الله المغذية والنافعة إلى منتج آخر يغيب العقل ويضر بالبدن والمال، ولذا فإن التحريم الثابت للخمر لا يثبت لما يتعاطاه الناس فى زماننا لكونه يصنع من مواد أخرى ومركبات كميائية، كما أن ما يتعاطاه الناس فى زماننا كثير منه لا يسكر إلا إذا تم تناول كميات كبيرة منه كالبيرة، مثلا بخلاف الخمر الذى نزل فيه التحريم، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، ولكن للأسف وصل الحد ببعض المتنصلين من الضوابط العلمية - التى يجب الالتزام بها عند إصدار الفتاوى - إلى تبنى مناهج غريبة فى التناول الفقهى،حيث يرى بعضهم أن مهمة العلماء بيان أقوال العلماء فى المسألة دون اختيار رأى منها، وترك الناس يختارون منها بأنفسهم، ووصل الحد بهم إلى عدم اعتبار آراء أهل الاختصاص كالأطباء، ومما صرحوا بها أن خوف الإصابة بفيروس كورونا يكفى للإفطار فى رمضان حتى لو قال الأطباء إن الصوم لا يعرض الصائم للإصابة مع علمهم بقول ربنا: «فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وأسوأ من هذا التخريف الفقهى أولئك الذين يقتحمون ميدانها من غير المؤهلين والذين لا يفرقون بين ثابت ومتغير فخرج على شاشات التلفاز من يعلن بكل وقاحة أن الخمر لا دليل على تحريمه فى نصوص الشرع غافلا أو متغافلا أو معاندا لآيات تصدع بحكم الخمر كقوله – تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، وأحاديث متعددة عن رسولنا – الأكرم - لم تكتف بالتحريم وإنما بينت أن جميع أطرافها داخل فى دائرة اللعن حيث يقول – صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»، وهذا الشذوذ الفكرى لبعض فاقدى بدهيات العلم الشرعى لم ينشغل بأمرهم مؤتمر الأزهر بطبيعة الحال فهم يخاطبون أنفسهم أو يدغدغون مشاعر مدمنى الخمر الذين لا يهتمون بحكمها، أما كافة العقلاء فيستقبحون كلامهم ولا يتحملون متابعتهم فى هذيانهم، ولكن الأمر الذى عنى الأزهر ببحثه فى مؤتمره هو بيان الرأى الشرعى فى المنتجات المسكرة المعاصرة،حيث أثبتت بحوث المؤتمر تحريمها بكافة صورها السائلة والجامدة سواء أكانت مشروبة كسائر الكحوليات أو مستنشقة كالهروين والكوكايين، أو محقونة كالماكس وغيره، وسواء سكر متعاطيها أو لا؛ طالما ثبت أنها تحمل خاصية التأثير على العقل ولو كان بدرجة خفيفة، وحتى لو كان هذا التأثير لا يحدث إلا بعد تناول كميات كبيرة ؛ إذ القاعدة أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، ونظرة عابرة للوقوف على سبب تحريم الخمر يتبين منها الناظر أن العبرة ليست فى المادة التى صنع منها المسكرات أو الخمور، ولكن فى تأثيرها على العقل والصحة والمال ،وهذه المنكرات المعاصرة تحقق ما يحققه الخمر وأكثر، فكان أولى بالتحريم، ولذا كانت هذه النتيجة الحاسمة: «المخدِّرات وسائر المسكرات -مهما كان اسمها ومقدارها قلَّ أو كثر، وما يؤثر على العقل والسلوك حرام قطعًا، ويجب اتخاذ كافة التدابير التربوية والثقافية والدعوية والأمنية التى تمنع من تعاطيها وتداولها، كما يجب سنّ العقوبات الرادعة لجالبيها، ومروِّجيها، ودعم مراكز علاج الإدمان لزيادة قُدرتها على علاج المدمنين ودمجهِم فى المجتمع، وعلى الجهات المختصة منع إظهار تجار المخدرات والمتعاطين لها فى الأعمال الدرامية بمظهر يُغرى الشباب بتقليدهم»، وللحديث بقية بإذن الله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة