نقرأ معا كتاب "الاتحاد الأوروبى: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف جون بيندر وسايمون أشروود، ترجمة خالد غريب على، مراجعة ضياء ورَّاد، والصادر عن مؤسسة "هنداوى".
يشرح الكتاب كل ما تحتاج إلى معرفته عن الاتحاد الأوروبى بلغة بسيطة وسلسة، ويستعرض التغييرات التى طرأت مع معاهدة لشبونة، والأزمة المالية في الاتحاد الأوروبى، والوضع الحالى لعملة اليورو.
ويتناول المؤلفان في هذا العمل مجموعة متنوعة من الموضوعات من التاريخ المبكر للاتحاد الأوروبى وآليات عمل مؤسساته، حتى الدور الذي يلعبه في الشئون الدولية، ويلقيان الضوء على نجاحات الاتحاد الأوروبي وإخفاقاته، ويشرحان الخيارات الصعبة التى قد تنتظره في المستقبل.
يقول الكتاب تحت عنوان "الغرض من الاتحاد الأوروبى" إن الاتحاد الذى نراه اليوم ثمرة عملية انطلقت فى منتصف القرن العشرين بإنشاء "الجماعة الأوروبية للفحم والصلب"، وكانت هاتان الصناعتان آنذاك تمثلان شريان الحياة الصناعي للقوة العسكرية، إذ أكد وزير الخارجية الفرنسى، روبرت شومان، فى 9 مايو 1950، في إعلانه الذي دشَّن المشروع، أن "أى حرب بين فرنسا وألمانيا" أصبحت "غير واردة، بل ومستحيلة واقعيًّا"، ويجسد فوز الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام لسنة 2012 أهمية تلك العملية ذاتها.
ربما لا يَسْهُل في يومنا هذا، وبعد هذه الفترة الزمنية كلِّها، أن نُقدِّر ما كان يعنيه ذلك فى حين لم يمضِ إلا خمس سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩–١٩٤٥)، التي جلبت معاناة رهيبة على كل البلدان الأوروبية تقريبًا، وبالنسبة لفرنسا وألمانيا — اللتين خاضتا ثلاث حروب كلٌّ منها ضد الأخرى خلال العقود الثمانية السابقة على ذلك التاريخ، كان إيجاد سبيل للتعايش في ظل سلام دائم أولوية سياسية أولى أُنشئت الجماعة الجديدة لتحقيقها.
كانت فرنسا ترى في قيام دولة ألمانيَّة مستقلة تمامًا، بما لها من إمكانيات صناعية هائلة، أمرًا ينذر بالخطر، وكانت محاولة إخضاع ألمانيا، على النحو الذي سعى إليه الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى قد فشلت فشلًا كارثيًّا، فبدت فكرة دمج ألمانيا داخل إطار مؤسسات قوية تضم بالمثل فرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى — ومن ثَمَّ تكون مقبولة للألمان على الأمد الأبعد — فكرة واعدة بدرجة أكبر، وقد تحقق هذا الموعود كما كان مأمولًا، كان الفرنسيون ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه الثمرة التي أثمرتها مبادرتهم غير المسبوقة، وقد سعوا — بنجاح كبير — إلى لعب دور الزعيم بين الأمم الأوروبية، على الرغم من تراجع ثقتهم بدورهم القيادي منذ انضمام ١٢ دولة لعضوية الاتحاد عامَي ٢٠٠٥ و٢٠٠٧.
لكن المشاركة في هذه المؤسسات الأوروبية على قدم المساواة أعطت أيضًا الألمان إطارًا يُقيمون فيه علاقات سليمة وبنَّاءة مع العدد المتزايد من الدول الأعضاء الأخرى، ويتمُّون فيه أيضًا اتحادهم عام ١٩٩٠ بسلاسة.
ففي أعقاب سنوات الحكم النازي الاثنتى عشرة التى انتهت بالدمار سنة ١٩٤٥، أتاحت الجماعة للألمان سبيلًا كي يستعيدوا احترامهم كشعب من جديد، كانت فكرة قيام جماعة مؤلفة من أنداد تضم مؤسسات قوية لها جاذبيتها، وكان شومان قد أعلن أيضًا أن الجماعة الجديدة ستكون "أول أساس صلب لاتحاد فيدرالي أوروبى لا بد منه للحفاظ على السلام".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة