أساطير فعلا، فى بطولتهم وصمودهم ووحدتهم وعهدهم الذى يمثل عهد الجيش المصرى على مر التاريخ. ملحمة البرث التى جرى توثيقها فى الحلقة 28 من الاختيار، تتجاوز الكثير من المعارك الكبرى على مر التاريخ. وتجيب على أسئلة ظلت مطروحة ممن لا يعرفون أو من يريدون أن يعرفوا أن هجوما إرهابيا موسعا تم الإعداد له بشكل مكثف ماديا وتسليحا.
هجوم تم بعشرات الإرهابيين المدربين وسيارات مفخخة ومدافع وكمية من المتفجرات تكفى لنسف بلد، ومن جهات متعددة. منسى ورجاله واجهوا كل هذا على مدى ساعتين وأكثر ببسالة، ومن دون أن يسمحوا للإرهابيين برفع علم أسود أو التقاط صور لهم على المكان. وهو الهدف الذى عجز الإرهابيون عن فعله فى كل العمليات التى حشدوا لها فى مصر، لم ينجحوا أبدا فى تكرار ما فعلوه فى سوريا والعراق.
لم يكن منسى وحده الأسطورة مع ما يمثله من رمزية واستحقاق لأسطورته التى تمثل علامة من علامات البطولة. لكن كل ضابط وكل جندى كل فرد يعمل كأنه المسؤول ينفذ عهدا واحدا يربط قلوب الأبطال. كل واحد منهم أسطورة شبراوى وعلى وفراج ومحمد ومحمود وأمير وأحمد، وكل بطل من ستة وعشرين أساطير الكتيبة 103 صاعقة كل منهم رفض ترك سلاحه كل منهم واصل المواجهة حتى النفس الأخير حرس جثامين زملائه، على الجندى الذى قاتل وهو مصاب ودافع واخترق جسده 39 طلقة.
فى معركة البرث، كما قدمها المسلسل أقرب للتوثيق، بطولات يعرفها كل من تابع أفلام الحرب العالمية، لهذا تجاوز الأمر فكرة التشويق، إلى إعادة بعث الحدث، عشرات الملايين فى مصر والدول العربية حبسوا أنفاسهم، بالرغم من علمنا أن الحدث مر عليه أكثر من ثلاث سنوات لكننا عشنا الواقع ربما عرفنا أكثر كيف كان أبناؤنا أبطالا من البداية حتى آخر طلقة ونفس.
الصدق هو ما يجعل الاختيار عملا يشاهده أجيال منوعة، وبالرغم من أن الكثير من الأحداث نعرفها بالاسم لكن تفاصيل مهمة عرفناها عن بطولات أسطورية لضباط وجنود واجهوا الهجمات الخسيسة ببسالة ورفضوا ترك أماكنهم وأسلحتهم ومنعوا الإرهابيين من رفع رايات سوداء وأسقطوا منهم عشرات، بالرغم من أن المهاجمين كانوا أضعاف القوة كان السرد التوثيقى للأحداث مدهشا ومثيرا وقادرا على استعادة تفاصيل، بالرغم من أنها قريبة تبدو متناثرة وبعيدة.
العمل لم يسقط فى الاستسهال، الإرهابيون ممولون جيدا ولديهم إمكانات وتمويل ضخم وليسوا سذج أو ضعفاء عدو قوى خبيث وخسيس لا يتورع عن استعمال أكثر الحيل انحطاطا، ومن فرط الحرص على تقديم صورة توثيقية يكاد البعض يرى أن العمل يقدم الإرهابى بصورة قد تكون دعائية لكن هذا الأمر يحسب للعمل وليس عليه باعتباره يقدم العدو كما هو تخطيط وتنفيذ احترافى للتفجيرات والعمليات الإرهابية، فضلا عن محاولة تقديم صورة حقيقية للإرهابى بعقيدة متطرفة تقوم على الكراهية المبطنة بنصوص.
أنصار بيت المقدس أو داعش يخدمون أجندة خفية ويتلقون تمويلا ضخما من قطر وتركيا، لكن الكثير من أعضاء التنظيم يعملون بناء على عقيدة توظف الدين برجماتيا لخدمة الإرهاب وتبريره. وهدفهم دائما إثارة الرعب والتقاط صور، وهو ما عجزوا عنه فى مصر مع أبطال البرث وغيرهم أبطال الواحات، أو حتى من أعمال إرهابية خسيسة ضد الأقباط أو الكنائس.
فى معركة البرث كان الحدث قريبا، لكن بالفعل لم تكن هذه التفاصيل معروفة بكل هذه القوة، هذه الكميات من الأسلحة والإمكانات الحربية الضخمة التى تتوفر فقط لجيوش كبرى، تكشف عن أموال ودول أجهزة تساند هذه التنظيمات من أنصار بيت المقدس أو غيرهم، لكن فى المقابل تكشف المعركة عن أساطير الأبطال الذين لا يستسلمون ولا يسلمون أسلحتهم، بالرغم من الفرق فى العدد والعتاد، ويواصلون القتال بكل شراسة. ويمنعون تنفيذ أهم أهداف الإرهاب. لا خوف ولا رفع علم ولا ترك سلاح. عاش منسى ورفاقه، وعاش كل شهيد وكل بطل يخدم فى جيش الأساطير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة