حلقة جديدة في مسلسل الصراع الأمريكي الصينى، يهيمن عليها إقليم هونج كونج، مع عودة الاحتجاجات من جديد، بعد شهور من التوقف، في إطار ما يمكننا تسميته بـ"هدنة كورونا"، والتي ارتبطت بحظر التجمعات، بكافة أنواعها لمواجهة تفشى الفيروس، ومن بينها التجمعات الاحتجاجية، وهو ما ساهم إلى حد كبير في استعادة قدر من الزخم للإقليم التابع للسيادة الصينية، مع محاولات واشنطن لجر بكين إلى صراع متعدد الجبهات، لا يتوقف على الحرب الاقتصادية، والتي بدأت منذ بداية ولاية الرئيس دونالد ترامب في يناير 2017.
ولعل الاحتجاجات التى شهدها إقليم هونج كونج، والتي بدأت منذ بدايات العام الماضى، تمثل فرصة مهمة للولايات المتحدة، لكبح جماح الطموح الصينى، لمزاحمة واشنطن في نفوذها، ومنافستها على صدارة النظام الدولى، لتصبح النزعة الاستقلالية للإقليم فرصة يمكن استغلالها لوضع المزيد من الضغوط على كاهل النظام الحاكم في بكين، وهو ما بدا في المواقف الأمريكية المعلنة، والتي اتسمت بدعمها الصريح لمتظاهرى الإقليم الذى يتمتع بالحكم الذاتي.
النهج الأمريكي الحالي يبدو متشابها إلى حد كبير من الاستراتيجية التي تبنتها واشنطن قبل عقود، إبان صراعها البارد مع الاتحاد السوفيتى، والذى اعتمد في أحد مساراته على دعم الحركات الانفصالية داخل الجمهوريات السوفيتية السابقة، وهو ما ساهم في تفجير الكتلة الشرقية من الداخل، وهو ما ساهم في انهيارها مع مطلع التسعينات من القرن الماضى، وبالتالي تحقيق الهيمنة الأمريكية أحادية الجانب على النظام الدولى.
وهنا يبدو رهان واشنطن في صراعها مع الصين قائما، في جزء منه، على إثارة القلاقل داخل مناطق سيادة بكين، إلى جانب مسارات أخرى، وعلى رأسها سياسة التضييق الاقتصادى، وهو الأمر الذى لا يقتصر على إقليم هونج كونج، حيث دخلت إدارة ترامب في مناوشات متواترة مع الصين، حول الموقف من مناطق نزاع أخرى تحت سيادة بكين، وعلى رأسها تايوان، وهو ما بدا في تهنئة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو لرئيسة تايوان تساى إينج وين بمناسبة فوزها في الانتخابات الرئاسية وتأديتها اليمين الدستورية، وهو ما عقبت عليه الصين بقولها، أن الخطوة أضرت كثيرا بالعلاقات بين البلدين.
ويلقى الدعم الأمريكي للنزعات الانفصالية في تايوان وهونج كونج، دعما غربيا، خاصة مع ارتباطها بقوى أوروبية بارزة، على غرار بريطانيا، والتى ظل إقليم هونج كونج تحت سيطرتها الاستعمارية لعقود طويلة من الزمن، وهو ما يبدو في تعاطف لندن، وعدة قوى أوروبية أخرى، مع الإقليم في مواجهة الحكومة المركزية في بكين.
لم يتوقف نطاق الاستراتيجية الأمريكية على مناطق الصراع التقليدية في الداخل الصينى، على غرار تايوان وهونج كونج، وهى المناطق ذات باع طويل في الصراع مع حكومة بكين، وإنما امتدت إلى استحداث صراع جديد في منطقة الويغور، على أساس طائفى، عبر إبراز معاناة المسلمين الذين يقطنون تلك المنطقة، وهو ما يحمل في طياته محاولة صريحة لاستقطاب دول العالم الإسلامي في الحملة ضد القوى الآسيوية الصاعدة بقوة إلى قمة النظام الدولى في المستقبل القريب.
وهنا يمكننا القول أن الدعم الأمريكي للمناطق الانفصالية في الصين، هو امتداد لمسارات أخرى، بينها المسار الاقتصادى، وكذلك المسار الصحى، والذى بدا استخدامه واضحا على خلفية استخدام فيروس كورونا، والذى تفشى في العالم انطلاقا من الأراضى الصينية، لحشد المزيد من الأعداء ضدها، في إطار ما يمكننا تسميته بسياسة "شيطنة" الصين على كافة الأصعدة، سواء السياسية أو الحقوقية أو الصحية، لتتحول إلى عدو عالمى، بعيدا عن المسار الثنائى للصراع بين الولايات المتحدة والصين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة