حالة من الجدل أثارتها شائعات وفاة زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في الأيام الماضية، بعدما تناولتها العديد من الصحف الغربية، إلى الحد الذى وصل إلى نشر جنازة والده، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، والترويج لها على أنها جنازته، في سقطات مهنية متتالية، كانت بمثابة صفعات لمصداقية أكبر المنصات الإعلامية حول العالم، ليصبح ظهوره المفاجئ انتصارا مهما للزعيم، الذى طالما تسابق الإعلام الغربى في تشويه صورته لسنوات عدة.
ولعل توقيت الصفعة القوية التي تلقاها الإعلام الغربى، وخاصة المنصات الأمريكية، تمثل نقطة محورية غاية في الأهمية، فيما يتعلق بقدرتها على التأثير على الرأي العام، سواء في الداخل، أو على نطاق عالمى أوسع، في المستقبل، مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، والتي يرى قطاع كبير من المحللين بأنها ستكون بمثابة "حرب تكسير عظام"، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخصومه الديمقراطيين، وممثلهم في المعترك المقبل جو بايدن، في ظل الموقف الإعلامى المنحاز ضد الرئيس الحالي، منذ اليوم الأول لرئاسته.
ظهور الزعيم يمثل انتصار لكيم، الذى ربما وجد في الشائعات التي لاحقته فرصة للاحتفاظ بهالته القدسية، التي طالما حظى بها برفقة عائلته، باعتباره "المدافع الإلهى عن العرق المقدس"، وذلك في ظل الحصار الدولى الذى واجهته الدولة "المارقة" لعقود طويلة من الزمن، وهى الذريعة التي قد تنقضى قريبا مع انفتاح بيونج يانج المرتقب مع العالم، وبالتالي أصبحت "العودة من الموت إلى الحياة"، بمثابة المعجزة الجديدة التي تلقفها الزعيم للاحتفاظ بمكانته المقدسة بين بنى شعبه.
ولكن يبقى ظهوره في الوقت نفسه انتصارا فارقا ومهما للرئيس ترامب، والذى يستعد لمواجهة حملات إعلامية أكثر شراسة، من تلك التي سوف يشنها عليها خصومه الديمقراطيين، في جولاتهم الانتخابية، لتصبح "أكذوبة" وفاة كيم، بمثابة السلاح الذى سوف يستخدمه سيد البيت الأبيض، لتقويض ما تبقى من مصداقية المنصات الإعلامية المناوئة له، والتي سبق وأن وصف ما تنشره مرارا وتكرارا بـ"الأخبار المفبركة".
وهنا تتجلى صفقة جديدة، ربما تكون ضمنية، بين ترامب وكيم، ولدت من رحم الشائعات التي أطلقها الإعلام الأمريكي، حيث يبقى إعلان ترامب عن معرفته بالحالة الصحية للزعيم الكوري الشمالى، دون الإعلان عن أية تفاصيل، دليلا دامغا على محاولة سيد البيت الأبيض، على توريط الإعلام الذى فقد أدنى درجات الموضوعية والنزاهة، في فضيحة مدوية تكسر ما تبقى له من مصداقية أمام الرأي العام الأمريكي، كما أنه يمثل دعما صريحا لـ"المعجزة" التي يسعى كيم للترويج لها داخل بلاده ليحتفظ بشرعيته "المقدسة" أمام شعبه في المستقبل.
صفقة ترامب كيم تمثل بابا جديدا في العلاقات بين الزعيمين، ربما يفتح الطريق أمام اختراقات جديدة فيما يتعلق بالمفاوضات بينهما، حول العديد من الملفات الخلافية، وعلى رأسها القرار الأمريكي باستمرار العقوبات المفروضة على بيونج يانج، بالإضافة إلى التقارب الكبير بين كوريا الشمالية والصين، والذى يؤرق الإدارة الأمريكية، على اعتبار أن النفوذ الصينى في المسألة الكورية، بمثابة حجر عثرة أمام انتصار دبلوماسي مهم يبقى الرئيس ترامب في حاجة إلى تحقيقه قبل المعترك الرئاسي المرتقب في نوفمبر المقبل.