من بين اكتشافات فيروس كورونا، أنه جعل العالم كتابا مفتوحا. المرة الأولى التى يهاجم فيها الوباء العالم فى ظل ثورة اتصالات تجعل الدول بتجاربها وتحركاتها أقرب لغرفة زجاجية كل من بداخلها مكشوف. وخلال أربعة أشهر تعرف العالم على تجارب الآخرين ومعلومات للمرة الأولى عن الفيروس وطبيعته وتركيبته الجينية والبيولوجية.
وبالرغم من ذلك تظل المعلومات المتاحة ناقصة، مع جوانب غامضة ونقاط معتمة تمنع رسم صورة كاملة للفيروس بما يمكن فهمه.
فيروس كورونا المستجد يأتى فى ظل تقدم علمى مذهل، فى الماضى كانت الأوبئة تهاجم البشر ويعجزون عن رؤيتها، والبكتيريا ظلت كائنات غير مرئية حتى ظهور الميكروسكوب العادى حيث الصور تتم من خلال كواشف وألوان، لكن الميكروسكوب الإلكترونى مثل ثورة، تلتها ثورات تتيحها التقنيات الأحدث للتصوير، والتى ساهمت فى تطوير علوم الهندسة الوراثية والجينية للفيروس.
ووسط اتساع منصات المعلومات، فإن نفس عصر الاتصال والمعلومات يضاعف أيضا من حيرة المواطن العالمى فى ظل تكاثر التقارير الإخبارية والمنسوبة لعلماء ومراكز أبحاث حول فيروس كورونا وصعوبة التوصل فورا إلى لقاح أو علاج حاسم، مع غموض عملية انتقال الفيروس بين البشر وغياب حاسم لتحديد الحالة صفر التى حملت الفيروس لأول مرة ونقلته إلى آخرين لتبدأ سلسلة العدوى عبر العالم.
ظلت الفكرة حول الحالة صفر ترتبط بالصين ومدينة ووهان وأسواق الحيوانات، بوصفها المصدر الأول لظهور وانتشار الفيروس. الرئيس الأمريكى ترامب هاجم الصين مرات وصدرت اتهامات مختلفة من دول أوروبية تحمل بكين المسؤولية عن الفيروس. وقال وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، إن بلاده لديها «دليل» على أن فيروس كورونا المستجد نشأ فى معمل فى مدينة ووهان الصينية».
لكن هناك تقارير مختلفة من الولايات المتحدة نفسها، قالت إن الفيروس الذى أصاب الأمريكان جاء من أوروبا وليس من الصين، وفى فرنسا ترددت نظرية كون الفيروس نتج عن معالجة معملية لإنتاج لقاح الإيدز فى معمل صينى، لكن علماء فرنسيون نفوا هذا واعتبروه اتهاما غير صحيح.
لكن النظرية الجديدة التى صدرت من منظمة الصحة العالمية فى حال صحتها تمثل انقلابا فى التصورات حول فيروس كورونا لأنها تعود بنشأته إلى تاريخ بعيد عن ديسمبر 2019. حيث أعلن مستشفى فى فرنسا أنه أعاد فحص عينات لمرضى الالتهاب الرئوى، وقال إنه عالج رجلا كان مصابا بمرض كوفيد-19 فى 27 ديسمبر، أى قبل نحو شهر من تأكيد الحكومة الفرنسية ظهور أول حالة. وأيضا قبل التاريخ المحدد لظهور الفيروس فى الصين، وهناك تقارير تشير إلى وجود حالات قبل أشهر من الظهور الوبائى للفيروس، وفى حالة ثبوت هذه التصورات فإن الأمر يعد بمثابة انقلاب للكثير من النظريات السائدة حول نشأة كورونا.
ولهذا طالبت منظمة الصحة العالمية الدول الأخرى بتحرى أى حالات مبكرة أخرى يشتبه أنها لمرض بفيروس كورونا.
كان التصور الثابت أن منظمة الصحة العالمية تلقت أول بلاغ بظهور الفيروس يوم 31 ديسمبر، لكن كريستيان ليندمايرالمتحدث باسم الصحة العالمية قال فى إفادة بالأمم المتحدة فى جنيف، أن التقرير الفرنسى عن الحالة المبكرة يعطى صورة جديدة تماما لكل شىء». وحث دولا أخرى على فحص سجلات حالات الالتهاب الرئوى ذات المصدر غير المحدد فى أواخر 2019. وفى حال ثبوت ذلك أو اكتشاف ظهور لأعراض الفيروس قبل شهور مما هو معلن يعد انقلابا فى تصورات العالم عن كورونا. خاصة أن الصين ردت على اتهامات أمريكا بالتأكيد أنها اتهامات مسيسة وليست علمية، وحتى فى الولايات المتحدة. والمجالات العلمية التى تشير إلى نشأة طبيعية للفيروس بعيدا عن أى تدخل أو خطأ بشرى.
وإلى حين التوصل إلى مصدر النشأة بشكل حاسم تظل التناقضات قائمة فى ظل عصر معلومات يتيح المعارف والحيرة أيضا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة