فيروس كورونا يأتينا فى عصر الاتصالات والمعلومات، وتتناقل التجارب والأفكار حول الفيروس وطبيعته وتجارب العلاج المتاحة، فإن نفس العصر الذى يتيح الكثير من المعرفة، يتيح أيضا الكثير من الكلام غير العلمى، الذى لا توجد عليه أدلة، والكثير من المواد المنشورة على لسان علماء وخبراء بعضها مفبرك ومشكوك فيه، نفس الأمر فيما يتعلق بتفاصيل العدوى وآمال العلاج، الأمر يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم، ربما لأن العلماء والأطباء ليسوا الأكثر سيطرة على شبكات التواصل الاجتماعى، التى يحتلها الأكثر قدرة على التعبير، وربما الأكثر قدرة على الإثارة.
كل هذا يضاعف من حيرة البشر، ويجعل دائما هناك نسبة شك فى كل ما ينشر تستدعى الفحص والتأكد. لدينا تقارير وأخبار عن 700 لقاح تجرى عليها التجارب، وأكسفورد واليابان أعلنا عن قرب إنتاج اللقاح، لكن ما أن يتفاءل البعض حتى تخرج تصريحات من مسؤولين دوليين بأنه لا توجد نتائج حاسمة لفاعلية اللقاحات، أو خلوها من أضرار جانبية شديدة. الأدوية أيضا وبروتوكولات العلاج والبلازما، مجرد محاولات للسيطرة على الفيروس، فى طور التجارب، وفى حال نجاح البلازما ربما تكون طريقا لإنتاج مصل وليس لقاحا لعلاج الفيروس، لكن الأمصال تتطلب وسائط حيوانية أخرى مثل الخيول أو غيرها، تتيح إنتاج الأمصال بكميات فاعلة.
الشاهد أن الأمر لا يزال فى طور التجارب، وهناك علماء من كل أركان الدنيا يعملون لإتاحة لقاح أو علاج، وأيضا شركات أدوية تنتظر أن تحصل على جزء من الصفقة، ومع هذا فإن فيروس كورونا غير الكثير من سلوكيات البشر، وربما يترك آثارا مختلفة بعد رحيله فيما يتعلق بحركة الناس وحجم الاختلاط، على الأقل فى الأيام الأولى ما بعد رحيل الفيروس.
ومع هذا فإن كل ظاهرة أو أزمة لها وجوه سيئة، وأخرى مفيدة، تمثل دروسا يمكن للبشر الاستفادة منها، على سبيل المثال بسبب العزل وتوقف النقل والطيران والأنشطة الصناعية انخفضت الانبعاثات الضارة والغازات السامة، مما أتاح بعض التعافى للبيئة فى العالم، التأم ثقب الأوزون وتحسنت طبيعة الهواء، لدرجة أن الأطباء رصدوا تراجع أرقام الوفيات بأمراض تتعلق بالتلوث مثل الاختناق الكربونى، ويقول العلماء: تم إنقاذ ما بين 500 إلى 700 ألف كانوا يموتون بالاختناق التلوثى سنويا، نجا أغلبهم بفضل تحسن نوعية الهواء.
أيضا رصد بعض علماء البيئة ظهور أنواع من الطيور والزواحف كانت تتعرض لخطر الانقراض، وأن تحسن نسبة الأكسجين مقابل انخفاض أول أكسيد الكربون والغازات النيتروجينية والصناعية يساهم فى إعادة التوازن الطبيعى فى بعض الغابات والأنهار وتنعكس آثاره خلال شهور.
فيروس كوفيد 19 حبس مئات الملايين من البشر فى المنازلهم، لكنه قوى من عمليات التعليم عن بعد، وفى مصر على سبيل المثال سعى وزير التعليم الدكتور طارق شوقى لإقناع أولياء الأمور والتلاميذ بأهمية التابلت فى تلقى الدروس والتفاعل فى الامتحانات، وواجه مقاومة ورفضا وسخرية، لكن فيروس كورونا اضطر مئات الآلاف من التلاميذ وطلاب الجامعات إلى قبول التعامل «أون لاين»، وأكملوا تلقى محاضراتهم وأنجزوا الامتحانات والأبحاث بالإنترنت، ويبدو أن «كورونا» دعم نظرية وزير التعليم، وما رفضه التلاميذ قطاعات المجتمع طوال شهور قبلوه فورا تحت ضغط الفيروس، وكانت الدول التى سبقت فى استعمال وتوظيف التكنولوجيا قد اندمجت فى الأمر أسرع.
ومع التعليم اضطر الكثير من الشركات إلى التوسع فى العمل من المنزل فى تجربة يمكن الاستفادة منها بعد انتهاء محنة الفيروس، وتقلل من الأنفاق للشركات الكبرى والبنوك، وحتى الحكومات والمنظمات الدولية عقدت مؤتمراتها واجتماعاتها بالفيديوكونفرانس، الأمر الذى يوفر ملايين الدولارات تكلفة انتقال الرؤساء والوزراء والمسؤولين الدوليين عبر العالم، وآخرها مؤتمر موسع دعت له بريطانيا حول اللقاحات، شاركت فيه 50 دولة و35 رئيسا، وجرت المناقشات والأطروحات على الهواء، وهو مكسب ربما يمكن التفكير فى تعميمه حتى ما بعد رحيل الفيروس وانتهاء الأزمة.
وخلال أكثر من شهرين تعقد الحكومة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، اجتماعاتها بـ«الفيديوكونفرانس»، وهو متاح منذ سنوات لم يتم استغلاله، واضطروا لقبوله، ويكشف إمكانية تحقيق وفر فى مصروفات انتقالات المسؤولين.
ومثلما ساهمت الأزمات والحروب فى تطورات علمية وعسكرية وبحثية، فإن كورونا ربما تكون مجالا لاستيعاب وتطوير أفكار وطرق عمل، من شأنها أن تمثل تطورا فى نظام الإدارة، بل وبما يحقق وفرا فى موازنات الانتقال أو تقديم الخدمات أونلاين، وكلها ميزات يمكن البناء عليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة