فى أواخر التسعينات، تخيلت المصورة الأمريكية جوستين كورلاند، الفتيات الهاربات يتجولن بين المناظر الطبيعية فى أمريكا، ويجتمعن فى الغابات والحقول المفتوحة، ورأت من وجهة نظرها التخيلية أنه بدلاً من مواجهة الخطر، ستخلق هذه الأرواح الضالة عالمها الخيالى فى الغابة، حيث يمكن للفتيات وضع قواعدهن الخاصة.
ووُضعت صور كورلاند، التى التقطت بين عامى 1997 و2002، فى كتاب جديد يحمل عنوان "صور الفتيات"، وتعد الصور بمثابة لمحة عن الحنين إلى الماضى، عندما كانت الفتيات فى ذلك الوقت يرتدين سراويل الجينز واسعة الساق الممزقة وقلادات أسنان سمك القرش، وتتمحور مواضيع الصور حول التحدى، وتحقيق الذات، والجنس الأنثوى.
وخلال السنوات الأخيرة، استمرت هذه المواضيع فى الظهور بأعمال المصورات الفوتوغرافيات مع إلقاء نظرة جريئة على الأنثى، وقالت كورلاند، إنها كانت لديها الرغبة فى صنع عالم يعكس التضامن النسوى المثالى بين المراهقات، وذلك وفقًا لما نشرته شبكة "CNN" الإخبارية.
وخلال الأعوام التى تلت سلسة الصور هذه، حولت كورلاند عدسة الكاميرا الخاصة بها إلى الموضوعات التى لا تزال تنبع من وحى السلسلة، مثل المجتمع، والهوية الأنثوية، والاستكشاف، والمناظر الطبيعية الريفية الأمريكية.
وتدمج جميع أعمال كورلاند الخطوط بين الواقع والخيال، إذ غالباً ما تبدو المشاهد المنظّمة وكأنها صور وثائقية، ويعود الفضل فى ذلك إلى دراسة كورلاند، إذ تتلمذت على يد المصورين جريجورى كرودسون، وفيليب لورسيا ديكورسيا، أثناء حصولها على درجة الماجستير فى جامعة ييل، وكلاهما يستخدمان لغة السينما لصنع اللقطات السردية.
وتذكرت كورلاند، قائلة: "عندما عرضت العمل لأول مرة فى التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، كان هناك الكثير من المحادثات حول التصوير الفوتوغرافى المعاصر المتداخل بين الحقيقة والخيال"، وعلى الرغم من تطور ممارستها على مر السنين، إلا أن الأفكار الأساسية فى أعمال كورلاند لم تتغير.
وبدأت فكرة سلسلة "صور الفتيات" خلال الصيف بين الفصول الدراسية فى الجامعة، عندما كانت كورلاند تواعد رجلًا لديه ابنة تبلغ من العمر 15 عاماً، وتدعى أليسم، أرسلت للعيش مع والدها فى مدينة نيويورك بسبب سلوكها المتمرد، وهكذا صورت كورلاند بمساعدة أليسم قصة فتاة هاربة.
وبدأ توثيق المشروع فى المدينة، بالتقاط الصور لأليسم وفتيات أخريات يدخّن فى الملاعب، أو يتسلقن الأشجار على طول الطريق السريع، وعندها وسعت كورلاند حدود منطقة التصوير، وبدأًت بشمال شرق الولايات المتحدة ثم غرباً، وأصبحت السلسلة تدور أكثر حول المناظر الطبيعية المنعزلة حيث تجد شخصياتها من الفتيات المتمردات إحساساً جديداً بالانتماء.
وفى الملاذ التى تتصوره كورلاند، تستكشف مجموعة الفتيات جداول الماء حافيات القدمين، ويقمن بالتخييم داخل السيارات المتهالكة، والشواء فى الهواء الطلق، والاستلقاء فى الحقول الثلجية، وكغيرها من العديد من المصورين قبلها، أصبحت مناظر الغرب الأمريكى خلفيةً لسلسلة كورلاند، وقد نشأ شغف كورلاند الأولى للتصوير الفوتوغرافى من خلال لقطات الرحالة المتجولين، مشيرةً إلى عمل المصور السويسرى روبرت فرانك الذى يحمل عنوان "The Americans".
واليوم، أصبحت الفتيات فى سلسلة كورلاند نساءاً وأمهات، وقد بقيت المصورة على اتصال ببعضهن والبعض الآخر قمن بالتواصل معها عبر وسائل الإعلام التى غطت معرضها الذى أقيم بمعرض "Mitchell-Innes & Nash" فى نيويورك عام 2018.
وعندما تسترجع كورلاند ذكرياتها مع الفتيات فى صورها، تقول إن الذكريات الأكثر متعة ليست خلال أوقات التصوير، وإنما خلال اللحظات التى تسبق ذلك، أى خلال رحلات التنقل بالسيارة إلى موقع التصوير، حينها تكون طاقة الفتيات لا حدود لها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة